لم أكن أجهل أن في اليمن أسماء معاصرة باسم حِمْير، ولكن الذي حدث معي لم أكن لأتوقعه أبداً، لقد كنت في أول محاضرة من الفصل الأول عام 2008 حيث حضر للقاعة عدد من الطلبة اليمانيين في مادة (نظرية الأدب)، وحين طلبت التعرف إلى الأسماء إذا بشاب ذي وجه يماني لا تخطئه الملاحظة وعرف اسمه بأنه حِمْير، وفي تلك اللحظة تغيرت دائرة التفكير والنظر عندي وأحسست بأني قد امتطيت مكينة الزمن وترحلت إلى ما قبل الإسلام مع مملكة حمير وتاريخ العرب قبل الإسلام وحضر اسم هوذة بن علي ملك اليمامة، وسألت الطلبة هل فيكم: هوذة، وطبعاً أخذت الضحكات الطلبة، ولكني لم أكن أمزح لأني لحظتها كنت أحس فعلاً بأنني في التاريخ، ودخلت مع الطلبة في حديث عن الأسماء وما اندثر منها وظل حبيس زمنه ولم يمتد لزمننا مثل هوذة وامرئ القيس، وإن كنا نجد سبباً لاختفاء امرئ القيس بما أنه تركيب وثني ومثله (زرقاء اليمامة) لطوله، ولكن هوذة اسم مفرد وبلا إيحاء وثني، وهذه ثقافة للأسماء تكشف عنها سلوكيات التسمية، وقد جرى تحويل اسم عنترة من صيغة التأنيث إلى صيغة التذكير، والمتواتر اليوم هو (عنتر) وليس عنترة، ولكن معاوية ظل مؤنثاً يحيل إلى مذكر.
للثقافة علاقة مع الأسماء كما للذاكرة علاقة أشد توتراً، ففي حين يمر اسم بلقيس محايداً في زمننا هذا ويتراجع دور الذاكرة عن ملكة سبأ، بسبب اعتيادنا اليومي على الاسم وكونه عينياً وواقعياً ومثله أسماء ليلى وعزة وبثينة التي لن تسترجع أسطوريتها إلا إذا وضعت بصيغتها الأسطورية كأن تقول مجنون ليلى /‏ كثير عزة /‏ جميل بثينة، وعبرها ستحضر الشحنة الدلالية لحمولات الأسماء ولكن اسم حمير لن يمر محايداً، لأنه نادر جداً، ولذا حينما فوجئت به أمامي تحولت أنا إلى الذاكرة وأخذني الاسم إلى التاريخ، وظل حمير واحداً من طلبتي في الجامعة ولكن اسمه ظل يغير بوصلتي الذهنية كلما نطقته أو قرأته، وليس أوثق من دهشة الذاكرة حينما تصادف مفاجأة غير متوقعة، ولذا تظل جذوة الدهشة متقدة رغم تكرر المحفز الذي يتمرد على الاعتياد.