في الوقت الذي خصصت فيه الأمم المتحدة منذ عام 1992، يوماً من شهر ديسمبر من كل عام، للاحتفال بـ«اليوم العالمي لذوي الإعاقة»، طورت دولة الإمارات الهدف المنشود من وراء هذا الاحتفال، من خلال إطلاق مُسمّى «أصحاب الهمم» على هذه الفئة بدلاً من «ذوي الإعاقة» أو «ذوي الاحتياجات الخاصة» المنتشرة في معظم دول العالم. وذلك بهدف تحفيزهم نفسياً وعملياً ودمجهم بين فئات المجتمع. 

ويهدف تخصيص يوم يحتفى به عالمياً إلى زيادة الفهم لقضايا الإعاقة ودعم التصاميم الصديقة للجميع، من أجل ضمان حقوقهم.

كما يدعو هذا اليوم لزيادة الوعي بإدخال أشخاص لديهم «إعاقات» في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية، ودمجهم في المجتمع.
وكثيرة هي القصص الإنسانية التي مر بها هؤلاء، ممن رفضوا الانكسار والانصياع لإعاقتهم وتمردوا عليها، واستطاعوا أن يُثبتوا لأنفسهم قبل الآخرين، أنهم قادرون على تحدي الصعاب وتحقيق أحلامهم وتطلعاتهم.

«زهرة الخليج» تسلط الضوء على نماذج من قصص نجاح «أصحاب همم» في بلداننا العربية، وتقدمها للقرّاء على طبق من فخر.

منصة توظيف

تدعم دولة الإمارات «أصحاب الهمم» بحزمة برامج نوعية ومتخصصة، توفر التأهيل والتدريب، مع تحفيز مستمر لاستكمال دراستهم الجامعية، ورفع مستوى كفاءتهم، وتأهيلهم وتدريبهم سعياً إلى فرص عمل أفضل. ويبلغ عدد العاملين من «أصحاب الهمم» من مواطني دولة الإمارات (805 أشخاص)، حيث تم إطلاق منصة توظيف «أصحاب الهمم» في فبراير الماضي، لتؤدي دوراً في التعريف بمهارات «أصحاب الهمم» من جهة، والفرص المتوافرة من جهة أخرى. ويبلغ عدد الجهات المسجلة في المنصة 20 جهة حكومية اتحادية ومحلية وخاصة.

طموحها أن تكون مُلهمة على العزيمة والإصرار أمل  تنتصر على إعاقتها بـ«الأمل»

أثبتت أمل أحمد الشمري أنها بطلة التحديات، وقفت على قدمها التي خذلتها في الحياة، لتواجه بجرأة خطأً طبّياً أصابها بشلل في العصب الوركي، وحرمها نعمة المشي، لتسير بخطى سريعة توازي بوقعها طموحها المخضّب بحماسة لا حدود لها.

أمل تروي لـ«زهرة الخليج» قصة أحلامها، وتحدي إعاقتها بـ«الأمل».

مستندةً إلى عكازيها، أنجزت أمل الكثير، وللمستقبل في عينيها آفاق وأحلام تتوق لها.

فهي اليوم تشغل منصباً إدارياً في أنظمة الأمن والسلامة في مطارات دبي، وحصلت على بكالوريوس في الإعلام - قسم الإذاعة والتلفزيون من جامعة الشارقة، وأكثر من شهادة في مجال الطيران والأنظمة.

كما أنها لاعبة رماية وعضو في فريق «سفراء الخير التطوعي»، و«الهلال الأحمر» الإماراتي، و«جمعية الإحسان الخيرية»، ومؤسسة «نمو هب» لأصحاب الهمم للتنظيم التطوعي خارج الدولة.

تفوّق على النفس

لا يقتصر طموح أمل على هذه الإنجازات التي حققتها وحسب، بل تُجاهر بأنها تفوّقت على نفسها وحالتها الصحية بقوّة الإرادة والعزم، ولا تخفي قائلة: «لديّ الكثير لأنجزه بعد، وحصولي مؤخراً على «شهادة الغوص» الأولى من نوعها في حالتي الصحية، وتَمكّني من السيطرة على حركة ساقي، والتغلب على مخاوفي بركوب الخيل، مُجرد بداية تحديت من خلالها المفهوم العام لـ(الإعاقة الحركية) ونجحت».
 
مسيرة مُشرّفة

تسجّل أمل أيضاً بصوتها إعلانات تجارية وفواصل صوتية لمصلحة قنوات إذاعية وتلفزيونية، وتشارك في دبلجة أفلام كرتونية وغيرها. وقد نالت في العام الماضي شهادة تكريم عن أفضل تدقيق على مستوى مطارات دبي.

تقول أمل الشمري مختتمةً: «طموحي أن أكون شخصية مُلهمة على العزيمة والإصرار، ويُردّد المجتمع اسمي بإعجاب واحترام، كوني انتصرت على الصعوبات والظروف، وتركت مسيرة مشرّفة يمكن أن يقتدي بها الآخرون. أريد أن أحث الناس السلبيين على ترك أفكارهم المحبطة، ليثمروا عطاءً وإبداعاً كل على حسب قُدراته».

 

تغلبن على إعاقتهن وصنعن مستقبلاً مشرقاً «خيوط ملونة».. حلم يتحقق بإرادة 5 فتيات

لم تمنعهن الإعاقة من التحدي، وإثبات الذات، متسلحات بخيوط وأقلام ملونة، انتصرن فيها على واقعهن، ليشرق الأمل في حياتهن وهن يرسمن الفرح في نفوس الناس بما يصنعن.. فمن هن؟ ما حكايتهن؟ «زهرة الخليج» زارتهن للتعرف  وخرجت بانطباعاتها عنهن.

يمسكن أقلامهن وخيوطهن الملونة التي تبعث الأمل من جديد، وفي محاولة منهن لتلوين حياتهن التي كادت تجف، رسمن بتلك الأقلام والخيوط مستقبلهن، وهن يتحدين الإعاقة ليثبتن أنهن أفضل من كثير من أصحاب الأرواح العاجزة الذين هم في أكمل صحة بدنية.

«خيوط ملونة» كان الانطلاقة الفعلية لفكرة ارتسمت في عقول خمس فتيات من «أصحاب الهمم» اللواتي على الرغم من اختلاف إعاقتهن ومجالاتهن الحياتية والدراسية، إلا أنهن واجهن تلك الإعاقة بخيوط وأقلام ملونة وورق الفوم وصنعن الدمى والاكسسوارات والهدايا.

كانت حلماً
«فكرتنا كانت حلماً يراودنا، لم يكن لدينا من يقدم لنا الدعم الكافي لتطبيق مشروعنا».

بهذه الكلمات بدأت منسقة المشروع، فداء الوادية (30 عاماً) حديثها لـ«زهرة الخليج».

فكرة فداء وصديقاتها قائمة على صناعة الدمى والاكسسوار والعمل بورق الفوم لمستلزمات الأفراح وأعياد الميلاد وغيرها من المناسبات.

درست فداء التعليم الأساسي، وقد واجهت صعوبة عمل في مجال التعليم نظراً إلى ارتفاع نسبة البطالة في غزة التي تجاوزت 68%، وشكل هذا المشروع البوصلة التي حددت لها مسار حياتها نحو النجاح.

وتقول: «أطلق المنتدى الاجتماعي التنموي مخيماً خاصاً بمشاريع لأصحاب الهمم، ضم 50 مشروعاً، وكان مشروعنا ضمن تلك المشاريع المطروحة، وفي المرحلةِ الأولى من المشروع كان لكل واحدة منا فكرتها الخاصة بها، لكن في المرحلة الثانية من المخيم اجتمعنا أنا وصديقاتي الأربع لنكوّن فكرة واحدة، ونجحنا حينها في الحصول على التمويل اللازم».

وتضيف: «قبل البدء بالمشروع حصلنا على تدريب استمر لمدة أسبوعين اكتسبنا فيه المهارات التي تؤهلنا لسوق العمل».

ابتسامة حياة

وبصوت لم يكد يُسمع وبابتسامة خفيفة رُسمت على محياها تقول نجاح حبيب (25 عاماً)، وهي عضو بالفريق: «الحمد لله فزنا بالمسابقة واستطعنا الحصول على التمويل الذي يؤهلنا للمضي في طريقنا الذي رسمناه معاً».

تضيف وقد احمر وجهها خجلاً: «عشت حياتي وقد ملأني الخوف من المستقبل، كنت أشعر بالحياء ممن هم حولي». وبعينين خضراوين وبنظرة تأمل تواصل حديثها: «كنت ممنوعة من ممارسة الرياضة من مُدرستي في المدرسة بسبب إعاقتي التي كانت سبباً في ضعفي بين زميلاتي، لكن المشروع عزز في نفسي الثقة التي كنتُ أفتقدها منذ الصغر».

وبإشارة منها بيديها الرقيقتين لصديقاتها في الفريق تقول: «استطعن كسر حاجز الخجل لدي، واستطعت من خلالهن الاعتماد على نفسي في العديد من الأمور الحياتية والعملية، واكتسبت مهارة صنع الاكسسوار من خلال مشاركتي بمشروع (إرادة) وأصبحت موهبتي التي صنعت مني نفساً وروحاً».

تجاوز إصابته بشلل رباعي .. ويستخدم «ذقنه» في تحريك الماوس شريف.. ماجستير في الإحصاء و 10 كتب

يسكن الشاب المصري شريف ياسين (35 عاماً) في شقة بالطابق الأرضي في منطقة «عين شمس» في القاهرة، يعيش حياة خاصة مع زوجته وابنته، فهو يأكل ويشرب ويلبس عن طريق وسيط، ويتحرك في المنزل على ركبتيه، يقضي نصف يومه أمام الحاسوب ويستخدم «ذقنه» في تحريك الماوس، حباه الله بصفات كثيرة عوضاً عما أصابه من نقصان، يحلم أن يصل «صوت المعاق» إلى كل المسؤولين في الدولة، متمنياً أن تحاكي مصر الدول الأجنبية في تعاملها مع الإنسان.

يروي شريف لـ«زهرة الخليج» حكايته، فماذا يقول؟

يقول شريف إن والده أخبره أن سبب إعاقته خطأ من طبيب التوليد، حيث كانت ولادته متعسرة، فاضطر الطبيب إلى استخدام «أداة جفت للولادة» فضغط بها ضغطة أكثر من اللازم على الرأس فأثرت على المخ ونتج عنها إشارات متزايدة إلى الأطراف، الحالة التي تم توصيفها طبياً بأنها شلل رباعي في الأطراف وتلعثم في الكلام، ويضيف: «نتج عن ذلك، حاجتي منذ ولادتي وحتى اليوم إلى من يساعدني في تناول طعامي وارتداء ملابسي».

دورات محاسبة

يسترجع شريف ذكرياته قائلاً: «بدأت الصعاب تواجهني عند التحاقي بالمدرسة، حيث رفضت المدارس الحكومية والخاصة قبولي، وبعد مجهود من والدي، حصلنا على موافقة وزير التربية والتعليم، وتم قبولي في مدرسة السيدة خديجة الابتدائية في عين شمس عام 1989، واستمر مشوار التعب اليومي بيني من جهة وبين والدي وزملائي من جهة أخرى، حتى حصلت على شهادة الماجستير في الإحصاء عام 2008، وأثناء فترة دراستي الجامعية حصلت على العديد من الدورات التدريبية لتنمية مهاراتي العلمية والشخصية، منها دورة في المحاسبة المالية باستخدام الإكسل، ودورة في مبادئ المحاسبة باللغة الإنجليزية، كما حصلت على رخصة قيادة الحاسب الآلي، ودورة في محاسبة التكاليف».