في سورة المائدة الآية 45: {وكتبنا عليهم فيها أنّ النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأُذن بالأذن والسنّ بالسنّ والجروح قصاص}. وفي الإنجيل: (لا تُشفق عينك.. نفسٌ بنفس.

عينٌ بعين. سنٌّ بسن. يدٌ بيدٍ. رجلٌ برجل). لكنّ ديفيد غيل.. بطل فيلم The Life of David Gale، لا يتفق مع القصاص الذي يعاقب المجرم بمثل ما فعل، ويستشهد بمقولة غاندي: «القانون القديم.. العين بالعين يجعلنا جميعاً عميان».

ولسنا هنا بصدد الدخول في مناظرة أو نقاشات جدلية، وإنما هي مقدمة تمنحنا انطباعاً عن لبّ فيلم The Life of David Gale.

يتناول الفيلم قصة البروفيسور ديفيد غيل (كيفن سبيسي) الذي يُدرّس الفلسفة في جامعة أوستن، ويعمل ناشطاً في منظمة تناهض حكم الإعدام.

وتبدأ الأحداث بوجود ديفيد في السجن مداناً باغتصاب وقتل زميلته في المنظمة كونستانس (لورا ليني)، حيث ينتظر تنفيذ حكم الإعدام في حقه بعد ثلاثة أيام.

يطلب ديفيد إجراء مقابلة صحافية أخيرة مع صحافية تُدعى بيتسي (كيت وينسليت) مقابل مبلغ مالي، وعلى مدى ثلاثة أيام يروي ديفيد لبيتسي القصة من البداية، وتحديداً من اللحظة التي انقلبت فيها حياته رأساً على عقب، ويحاول إقناعها ببراءته مع حثها على مساعدته والعمل من خارج أسوار السجن لتحقيق العدالة.

مراوغة

هناك خطّان زمنيان في الفيلم؛ خط الماضي الذي يروي فيه ديفيد الأحداث التي أدت به إلى السجن (فلاش باك)، وخط الحاضر الذي تقوم فيه الصحافية بيتسي بالتقصّي عن الجريمة، وإعادة النظر إليها من زوايا جديدة، في حضور شخص غامض يظهر من حينٍ إلى آخر، متتبعاً إياها وزميلها المتدرّب زاك.

منذ البداية؛ شعرت بأن فيلم The Life of David Gale ينتمي إلى تلك الأفلام القائمة على التضليل والغموض والمراوغة بهدف خداع المشاهد ومفاجأته في النهاية، وهذا صحيح جزئياً، لكنه لا يتعمد هذا الأسلوب لمجرد إحداث صدمة مهما بدت غير واقعية، بمعنى أنه لا ينتهج الإثارة الرخيصة التي همّها الأول والأخير هو أن تصدمك بهوية القاتل حتى لو كان ابن حلال ولم يؤذِ نملةً في حياته.

هذا الفيلم يقوم على حبكة متينة وتسلسل أحداث واقعي يكشف عن الغموض شيئاً فشيئاً، بحرفية عالية ودرجة متقنة من الإقناع، وبقدر ما كانت نهايته مفاجئة، فهي منطقية كل المنطق.

كما أن المتعة والإثارة حاضرة على طول الفيلم، فلم أشعر بالملل في إحدى الفترات، بل كان الرتم سريعاً ومتماسكاً في آن.

مفارقات

كيفن سبيسي قدّم أداءً رهيباً في الفيلم، بتعابير وجهه التي يصعب التنبؤ بما تخفيه، ونبرة صوته المستسلمة حيناً والمتوسلة حيناً آخر في حديثه للصحافية بيتسي، ولا يمكنني أن أتجاهل إيحاء المكر الغامض الذي يطل من عينيه، وهو ما جعلني أستمع لقصته بوضعية دفاعية، ربما لأنني ما زلت متأثراً بدوره في الفيلم الرائع The Usual Suspects.

ومن المفارقات أن كيفن سبيسي يقف الآن في قفص اتهام آخر، بعد أن وجّه إليه العديد من تهم التحرش، لكن؛ لا بوادر تلوح في الأفق لتبرئة اسمه الذي ما زال يتهاوى من سماء هوليوود.

فيلم The Life of David Gale ذكرني كثيراً بفيلم Primal Fear، عن محامٍ يدافع عن فتى متهم بقتل أحد الأساقفة، وأوصيكم به بشدة، فمثل هذه الأفلام تأخذك في رحلة مثيرة من الشك والأسئلة واستكشاف الدوافع والغرائز والصراعات الإنسانية، ومهما حاولت أن تبدو ذكياً فإنك غالباً تُخدع في النهاية، ولا بأس بذلك، فجميعنا أحبَّ - في مراهقته على الأقل - روايات أغاثا كريستي!