القرّاص (أو الحرّيق أو الأنجرة، بالإنجليزية nettle، وبالفرنسية ortie واسمها العلمي باللاتينية urtica) نبتة عشبية ذات أشواك شعرية، يؤدي لمسها إلى سيلان عصارة حارقة مؤلمة.

لكنَّ لها فضائل طبية عدة، عرفت منذ القدم. استخدمها الرومان لألم الداء المفصلي (القفاس).

وللغرض نفسه يستعين بها فلاحو جبال الأنديز، في أميركا الجنوبية، بينما يستخدمها آخرون لوقف الرعاف (نزيف الأنف).

كما وُجد أن شرب نقيع أوراقها الطازجة المغلية يسهم في تخفيف التهاب النسيج الخلوي، الـ«سيلولايت».

ولها فوائد انتبهت إليها صناعات مستحضرات التجميل، وفضائل أخرى كثيرة، كتخفيف حدة البواسير ومكافحة فقر الدم وتهدئة الأعصاب والإكزيما وتقوية المفاصل.

لكن، منذ بضع سنوات، يعير الباحثون الزراعيون اهتماماً كبيراً للقرّاص لغاية أخرى: استخدام شعيراته لإنتاج أنسجة تضاهي أقمشة القطن، مستخدمة من الآن على نطاق ضيق، إنما من شأنها أن تحل محل القطن مستقبلاً. فلماذا ذلك الاهتمام المفاجئ؟

تتعلق الأسباب بحماية البيئة، التي يعدّ القطن أحد أكثر النباتات إضراراً بها. فالمساحات المزروعة قطناً تشغل 2.5% فقط من مجموع الأراضي المزروعة في العالم، لكنها تستأثر بما لا يقل عن 30% من مجموع ما يُرشّ من مبيدات، «بعبع» حماة البيئة.

إلى ذلك، القطن «عطشان لا يرتوي»، إذ تستنزف زراعته كميات كبيرة مما يدعى «الماء الافتراضي». هل تعلمون، مثلاً، أن بنطلون جينز واحداً يتطلب خمسة آلاف إلى 10 آلاف لتر ماء؟ ومسألة استهلاك الماء تلك تشكل أيضاً أحد أهم هموم «الخضر»، الذين لا يُكنون بالغ الحب للقطن الأبيض.

في المقابل، لا يستلزم القرّاص أي مبيدات، بفضل قابليته المذهلة على التكيف وإنتاج وسائل طبيعية لمكافحة ما قد ينتابه من أوبئة ويهاجمه من حشرات.

كما لا يتطلب سوى كميات شحيحة جداً من الماء، مكتفياً بما موجود. وزراعة القراص ممكنة في بقاع شاسعة من العالم، ينمو فيها أصلاً كنبتة طبيعية.

ومنها بعض مناطق المشرق العربي (لا سيما شمال العراق وصحراء سيناء).

كما تتحمل نبتة القراص ظروفاً صعبة، من جفاف وبرودة قارسة وهطول ثلوج. أضف إلى ذلك أن حصادها يُجرى مرتين اثنتين في الموسم، مما يبشر بإنتاج وفير.

أما أليافها، فتقدم ميزة أخرى تتمثل في قابليتها على العزل أكثر من القطن، لكونها منخورة من الداخل، تشكل فراغاً هوائياً عازلاً. كما يمكن استخدام أوراقها لطبخ حساء مرّ المذاق نوعاً ما، لكنه قابل للخلط مع مكونات أخرى تجعله مستساغاً أكثر.

قد يتساءل سائل: لماذا إذن لا تزال أنسجة القرّاص، المعروفة منذ القدم، غير مستخدمة سوى على نطاق ضيق؟ الجواب أن مواءمة تقنيات الغزل والنسيج للنبتة تتطلب وقتاً وجهداً واستثمارات بالغة.

لكن، مع تطوير تلك التقنيات الحثيث وتعميم زراعة النبتة عالمياً، يتوقع الخبراء أنها ستحل محل القطن، أو أقله جزء كبير منه، خلال العقود المقبلة.