هناك عاملان مهمان لدى صناع الأفلام، يعطيان الفيلم قيمة كبيرة وتجعلانه محطاً للاهتمام.

النجاح الفني الذي عادة ما يتوج بجوائز السينما الموسمية ما بين المهرجانات أو الجوائز السنوية الشهيرة، والذي ينعكس غالباً على العاملين في الفيلم من مخرج وكتاب وممثلين وتقنيين.

وهنا النجاح التجاري والذي ينشده في العادة كل منتج سينمائي يعمل في فضاء الفن السابع، وهو بالتأكيد ما يحرك عجلة الإنتاج ويدفعها لآفاق أخرى وتجارب متعددة.

وبطبيعة الحال فإن هناك من الأفلام ما يحقق المعادلة الأهم، وهي الجمع بين النجاح الفني بشهادة النقاد وتقييمات الجمهور، والنجاح التجاري الذي يعلن عنه شباك التذاكر.

إثارة الجدل

لكن العامل الآخر الذي ربما يلفت الأنظار لأي فيلم، هو قدرته على إثارة الجدل أو الحديث الكثير حوله، بسبب موضوعه أو حتى طريقة معالجته لموضوع سابق أو ظروف إنتاجه أو حتى علاقة أحد أفراد الفيلم بقضية ما خارجة عن الفيلم.

ربما يبدو للوهلة الأولى أن إثارة الجدل مرتبطة بالانتقاد والاحتجاج وتحمل ذلك المعنى السلبي الذي لا يرغبه صناع الفيلم، لكن الحقيقة أن الأمر ليس كذلك، فإثارة الجدل ربما تصنع اختلافاً بين وجهات نظر عدة، لكن المؤكد أنها ستكون دعاية جيدة للالتفات نحو الفيلم ومشاهدته وتحفز الرغبة في المشاركة بالرأي حوله، وهذا بالتأكيد سيحقق نجاحاً تجارياً أيضاً.

أفلام الستينات

قبل سنوات كانت قد نشرت مجلة Entertainment weekly قائمة بالأفلام الأكثر إثارة للجدل في تاريخ السينما، كان أقدمها فيلم المخرج غريفيث الشهير «مولد أمة» THE BIRTH OF A NATION عام 1915، وهو دراما ملحمية تتبع عائلتين أميركيتين أثناء الحرب الأهلية، حيث واجه الفيلم جدالاً واسعاً واعتراضاً شديداً، بسبب أنه يظهر الأميركيين الأفارقة كأشخاص شهوانيين وذوي تفكير طفولي ساذج غير مسؤول.

ومنها ما يعود للثلاثينات، مثل فيلم المخرج تود بروانينج Freaks حول مجموعة من الأقزام ومشوهي الخلقة يعملون في سيرك، حيث استخدم المخرج حالات حقيقية أثارت امتعاض الكثير، وتم منع الفيلم من العرض في أكثر من مكان وحذف عدد من اللقطات.

بينما آثار أيضاً المخرج الشهير إيليا كازان الجدل حول فيلمه في الخمسينات BABY DOLL، والمعتمد على قصة للكاتب تينيسي ويليامز والذي يحكي قصة أحد أصحاب محالج القطن، حينما قام بمحاولة إذلال أحد المنافسين عن طريق إغواء زوجته التي ما زالت عذراء.

كان الفيلم قد حقق أربع أوسكارات، منها أفضل سيناريو مقتبس، لكنه في المقابل كان الفيلم صادماً خاصة للمتدينين، وقد اعترض عليه كبار رجال الدين الكاثوليكيين، وفي نيويورك حرّم الكاردينال على أتباع الكنيسة المتدينين مشاهدة الفيلم.

وقامت بعض دور العرض بسحب الفيلم على أثر ذلك. أما في الستينات فكان هناك الفيلم السويدي I AM CURIOUS، ويحكي قصة الفتاة (لينا) التي تقوم بالتجوال الحر عبر الولايات المتحدة، وتعيش كل أحداث الستينات ما بين معارضة الحرب وجدوى الأنظمة الاجتماعية وحركة الهيبيز، إضافة إلى استجاباتها المتتالية لرغباتها الشهوانية.

حينها تم اعتبار الفيلم إباحياً محتوياً على عدد من لقطات التعري الجنسية، وتم منعه في الولايات المتحدة وذهابه إلى المحكمة، لكنه بعد ثلاث معارك قضائية تم السماح بعرض الفيلم أخيراً.

أفلام السبعينات

أما فترة السبعينات، فقد كانت مليئة بعدد من الأفلام المثيرة للجدل، وعلى رأسها فيلم المخرج الكبير ستانلي كوبريك «برتقالة آلية» A CLOCKWORK ORANGE، الذي تدور قصته حول الفتى (أليكس) المراهق الذي يكون عصابة، يمارس بها شتى أنواع العنف وأعمال الاغتصاب والقتل، وبعد أن يقبض عليه يتعرض لعملية غسل مخ في السجن - وفق برنامج إعادة تأهيل تدعمه الحكومة الإنجليزية - هدفها محو قدرته على ممارسة العنف.

وقد تم اعتبار الفيلم في البداية إباحياً لاحتوائه على عدد كبير من لقطات العنف والجنس، كما تم اعتباره ملهماً لعدد كبير من الجرائم، مما دفع كوبريك إلى سحب الفيلم من دور العرض، ولم يُتح عرض الفيلم في بريطانيا مرة أخرى على أسطوانات دي في دي إلا عام 2000، بعد وفاة كوبريك بعام.

وحفلت مرحلة السبعينات بأفلام كثيرة مثيرة للجدل مثل فيلم المخرج الإيطالي الراحل الكبير برناردو برتلوشي مع النجم مارلون براندو «رقصة التانغو الأخيرة في باريس» LAST TANGO IN PARIS، وفيلم المخرج مايكل سيمينو مع النجوم روبيرت دينيرو وميريل ستريب وكريستوفر والكن «صائد الغزلان» THE DEER HUNTER، وفيلم والتر هيل «المحاربون» THE WARRIORS.

أفلام ملهمة

في الثمانينات، كان هناك فيلم «محرقة آكلي لحوم البشر» CANNIBAL HOLOCAUST، بسبب كونه فيلماً مقززاً تم فيه قتل حيوانات حقيقية. وفيلم المخرج الكبير سكورسيزي المعتمد على رواية كازتزاكي «الإغواء الأخير للمسيح» THE LAST TEMPTATION OF CHRIST، والذي واجه اعتراضات كبيرة من المؤسسات الدينية.

وفي فترة التسعينات، ظهر فيلم شارون ستون الشهير «غريزة أساسية» BASIC INSTINCT والذي أدت فيه دور كاتبة شهوانية تقوم بقتل عشاقها المستدرجين.

وفيلم أوليفر ستون الذي كتب له قصته كوينتن تارنتينو «قتلة بالفطرة» NATURAL BORN KILLERS، باعتباره ألهم الكثير من الناس لارتكاب جرائم للظهور في التلفزيون. لأن الفيلم كان قد صور اهتمام الإعلام بالقاتلين وحصولهما على شهرة إعلامية فائقة.

وأيضاً الفيلم الشهير «جي إف كي» عن اغتيال كيندي، بينما ضمت الألفية أفلاماً مثل THE DA VINCI CODE، والوثائقي FAHRENHEIT 9/11، وفيلم ميل غيبسون «آلام المسيح» THE PASSION OF THE CHRIST.

من الأكثر جدلاً؟

حينما نعود لسؤالنا الأول، عن الفيلم الأكثر جدلاً خلال هذا العام، فمازال السؤال قائماً، يمكن اعتبار فيلم النمر الأسود Black Panther، الذي جمع أيضاً بين النجاح التجاري باعتباره أكثر أفلام السنة دخلاً في شباك التذاكر، والنجاح الفني عبر التقييمات النقدية والجماهيرية العالية، يصلح أن يكون حالياً في واجهة الأفلام المثيرة للجدل، بسبب قصته واعتماد بطولته على ممثل من ذوي البشرة السمراء، ككسر للأنماط المعتادة في الأبطال الخارقين في السينما.