«إن لم تتقن الذهاب إلى المستقبل جاءك دائماً بمفاجآته ومستجداته، وأسَرَك في دائرة ردود الفعل وأبقاك تابعاً». عبارة من مقابلة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، التي نشرتها صحيفة الشرق الأوسط مؤخراً. وقد قرأت هذه المقابلة أكثر من مرة منذ نشرها وفي كل مرة أجد توجيهاً جديداً تتطلبه المرحلة المقبلة ليس فقط لقادة الحكومات والمؤسسات ولكن بين سطورها حكمة تُخاطب حتى الأفراد والأسر في التعامل مع مستجدّات الحياة وتهيئة ظروفهم للمستقبل.
طريقة التعامل مع المحيط والمستجدات في العالم تنقسم لنوعين مهما حاولنا أن نعطيها من أسماء أو صفات. الأول هو التعامل مع المستجدات بأنها واقع لا يمكن تغييره، والثاني هو قراءة المستجدات بمنهجية الكأس الممتلئ نصفه وهنا تحضرني عبارة أخرى من المقابلة لصاحب السمو: «أنا متفائل بالمستقبل، وأنظر دائماً إلى الجزء الممتلئ من الكوب، وأتطلع إلى ملء الجزء الفارغ».
وهو درس على المستوى الشخصي وعلى المستوى الحكومي كذلك، فحتى إذا كان نصف الكأس فارغاً في بعض المواقف والمناسبات فدورنا لا يقتصر على التفاؤل بالجزء الممتلئ منه، بل البحث فوراً عن استراتيجية ووضع خطط تنفيذية لملء الجزء الفارغ حتى لا يكون هذا الفراغ مساحة تشغلنا ومن حولنا عن الاستمتاع بآثار النجاح والإنجاز.
ومن يتنقل بين سطور المقابلة يجد رؤية تدلنا على طريقة ملء النصف الفارغ مهما كان سواءً في الشؤون الدولية أو حتى في الحياة العملية أو الشخصية. وعلى صعيد العمل الحكومي، مهمٌّ جداً أن يكون واضحاً في ذهن القادة الحكوميين أن معنى السعادة هو الرضا على مختلف المستويات: الرضا الوظيفي للفريق داخل المؤسسة الذي ينعكس على جودة الخدمات وبالتالي رضا العملاء والجمهور. ووصفة تحقيق الرضا هي مرة أخرى في كلمات صاحب السمو: «الرضا يتحقق بالعمل الجماعي وملاءة القوانين واللوائح، وكفاءة المدير وعدالته ونجاحه في بناء بيئة عمل تحفز على تجويد الأداء، وتشجع الأفكار والمبادرات وتكافئ أصحابها، وتفتح سلم الصعود الوظيفي أمام الموظف المبدع والمجتهد».
المستقبل للأفراد والدول والحكومات شيء يكون مجهولاً في بعض جوانبه ولكنه يمكن قراءته وتوقع الكثير من جوانبه الأخرى بالإمعان في المعطيات ولكن الدرس الأهم هو أن نتقن الذهاب للمستقبل ونتعامل معه كرحلة كلّها إثارة وليس على مبدأ القلق والخوف الذي يُعطّل الحياة والإنجاز ويضيع الفرص. في المقابلة كثير من الدروس، ولكنني اخترت أن أشارككم اليوم ما استوقفني عن رحلة المستقبل، وبالتأكيد لكل واحد منكم العديد من الدروس والحكم ليستلهمها، فهل أعددتم لمستقبلكم بهذا الأسلوب؟