لنفترض فقط. ماذا لو تزوج قيس بليلى، كيف نتخيلهما؟ هل كانت أسطورتهما ستكبر مع الزمن وتتسع، كما هي اليوم، أم العكس؟ أعتقد أنه في أحسن الأحوال سيكونان زوجين وديعين داخل نظام اجتماعي يمنحهما أهلية مواصلة الحياة وفق اشتراطاته. في حضنهما ذرية يأملان أن تكون صالحة. سيكون قيس موظفاً في دائرة من الدوائر الأهلية، يعمل بجد للترقية، ويعود مساءً منهكاً. ينسى أن يقول لليلاه مساء الخير حبيبة قلبي، لأنها ستكون منهمكة في الطبخ وتغيير غيارات الأطفال. يقوم فجراً، قبل الذهاب إلى العمل، يرتب فواتير الغاز والكهرباء وكراء البيت، ويعد ما بقي به من رحلة شهر قاسية. وليلى؟ مثل كل زوجات البادية وحتى المدن الصغيرة، غارقة في ترتيب البيت وشؤونه. ملكة في عرشها الوهمي. من شدة التعب والحمل الخامس الذي يبدو قاسياً، تحاول أن تنام على جهة واحدة. ثم ينامان متعبين، يتدفآن بظهريهما الملتصقين ببعض. قد يكون هذا نوعاً من الباروديا، لكنها رديفة للحقيقة التي نعيشها يومياً بعد خبو الشعلة الورقاء.  هل الزواج يقتل الحب بمنظومته القاسية، أم هي الحياة؟ الحب حرية. والحرية تسمو بالعواطف، والفقدان يقوي روح الخضوع والخنوع.
قصة قيس وليلى تعطينا درساً في القهر، حيث يموت الإنسان عطشاً وهو على حافة بئر. في الكائن البشري حاسة غريبة يتقاسمها مع القطط وهي التسلي بالضحية قبل الإجهاز عليها. نحن في بادية العرب، في نهايات القرن السابع الميلادي. فقد عاش قيس بن الملوح وليلى العامرية طفولة جميلة في اتساق تام مع الطبيعة. الرعي والاستماع إلى العواصف والأمطار، والتخفي تحت الأشجار وفي المغارات. كانت رفقة طفولية شديدة البراءة قبل أن يكتشفا قلبيهما وجسديهما ولسانيهما وفن القول. لا شيء لكن الجسدين ظلا مكبلين بالأعراف. أحسا بأن الحرية يمكن أن تسرق منهما، وأن الفصل بينهما اقترب.. لكن سهم كيوبيد كان قد اخترق قلبيهما الطريين. حتى فكرة الزواج رفضها أهل ليلى. العرب ترفض تزويج المرأة للشخص الذي تشبب بها. هناك سبب آخر للرفض، ميراث الأخوين الذي سمم العلاقات العائلية. سبب ثالث أيضاً، أقرب إلى الحقيقة، هو تقدم ورد بن محمد العقيلي لخطبتها، يجر وراءه مالاً وفيراً وإبلاً. ويقال إن أهلها خيروها بين قيس وورد، بعد أن دخلوا إليها وهددوها: والله لئن لم تختاري ورداً لنمثلنّ بك، فانصاعت. ثم أسرت لقيس بالحقيقة، وهو ما أشعل قلبه أكثر. حتى عندما ارتحلت إلى الطائف، وانقطعت أواصر الوصال ظل يبحث عنها. وهام في تيه الصحارى، فكان يُرى حيناً في الشام وحيناً في نجد، وحيناً في أطراف الحجاز، حتى جنّ نهائياً.
ألست وعدتني يا قلبُ أنّي         إذا ما تُبتُ عن ليلى تتوبُ
فها أنا تائبٌ عـن حُــب ليلى         فما لك كلما ذُكرت تذوبُ
ويقال في الكثير من المرويات، إنه عندما سار به والده إلى الحج أملاً في شفائه، تعلق قيس بأستار الكعبة وصرخ باكياً: «اللهم زدني لليلي حباً، وبها كلفاً، ولا تنسني ذكرها أبداً». ثم ارتحل حتى بيتها، فغضب ورد منه. لا يستبعد أن يكون قد قتله، على الرغم من أن الرواية الغالبة تقول إنه وجد ميتاً في 688 م، يتوسد بيتاً شعرياً خطه على الرمل:
فيا ليت هذا الحِبَّ يعشقُ مرةً      فيعلمَ ما يلقى المُحِبُّ من الهجرِ
انتشرت قصة قيس وليلى عالمياً، ووصلت حتى الأدب الفارسي، فكانت إحدى القصص الخمس لكتاب بنج غنج «الكنوز الخمسة» للشاعر الفارسي نظامي كنجوي.