لكلٍّ منا شخصية مركبة من مشاعر ومدارك ومبادئ وقيم وعقلية، وفي علاقاتنا مع الآخرين تتشكل لدينا قناعات تسهم في تفاعلنا مع أنفسنا ومع الآخرين. والسؤال هل نحن نتعامل بشخصياتنا الحقيقية أم نتجمل ونداري حقيقة الشخصية بداخلنا؟ وهل نرى أنفسنا كما يرانا الآخرون؟ قد نفكر بأننا نعرف أنفسنا بشكل أفضل من أي شخص آخر، ولكن غيبوبة الوعي تؤدي بنا في كثير من الأحيان إلى التصرف بطرق مثيرة للدهشة، وربما يكون الآخرون أفضل في التنبؤ بسلوكنا مما نتوقع.

«العقل اللاواعي»

هناك من يتحدث عن ذلك من خلال بعض الدراسات العلمية عن غربتنا عن ذاتنا، حيث يركزون على قدرة «العقل اللاواعي» وتأثيره في أفكارنا وسلوكياتنا وأعمالنا اليومية أكثر مما ندرك، لذا يُطرح السؤال.. هل نحن واعون لما يحدث أم أننا غير مدركين لكل ذلك؟ بالفعل لـ «العقل اللاواعي» قدرة كبيرة على التأثير فينا، ونحن لا نعرف الدوافع أو الأسباب التي تجعلنا نختار أشياء معينة، كما القدرة على التحكم فينا ويستطيع أن يسيرنا حيث لا نستطيع التحكم في سلوكياتنا وأفعالنا.
لذا فالسنوات الأولى في حياة الطفل مهمة جداً، وعلى الوالدين أن يحسنا إليه ويسهما في صنع الخبرات الإيجابية وإحاطته بالمشاعر كالحب والفرح، حيث إن تلك العقول غير الواعية تحتوي على العواطف التي قد تتعارض مع العقول الواعية، لذا قد يلجأ الشخص إلى كبتها وعدم مواجهتها، وهنا لنتخيل أن هناك شخصاً يضطر إلى أن يتعامل مع والده بالحب ظاهرياً لأنه مضطر لذلك، لأنه والده، ولكن في الحقيقة هو يعاني بعض المنغصات بسبب قسوة والده له، فقد تظهر منه بعض المواقف السلبية تجاه والده من دون القدرة على التحكم في ذلك، فهو إذاً العقل الباطن الذي يعلم بتلك الخبرات المؤلمة والتي تسبب هذا السلوك.

قدرة على التنبؤ

نلاحظ في كثير من الأوقات أن بعض الأشخاص المحيطين بنا يملكون القدرة على التنبؤ بسلوكنا بشكلٍ أفضل مما يمكننا نحن. ويمكن لشخصيتنا أن تعيش جزئياً في اللاوعي والذي لديه طرق مميزة ومتميزة لتفسير البيئة الاجتماعية والدوافع التي توجه سلوكنا، وهذه الأمور متجذرة في مرحلة الطفولة المبكرة، وهي محددة جزئياً وراثياً، ومع ذلك، فنحن لا نمتلك إمكانية الوصول المباشر إلى هذا الجزء من أنفسنا، لذلك نبني أيضاً «ذات الوعي» من مصادر أخرى - كقصص حياتنا، ودوافعنا الواضحة، ونظرياتنا الذاتية ومعتقداتنا حول أسبابنا لمشاعرنا وعواطفنا وسلوكياتنا وكأننا شخصان مختلفان.
لنرَ أنفسنا بشكل أفضل ولتكن سلوكياتنا ناتجة عن دوافع جيدة للوصول إلى الاتزان النفسي، فنحن في حاجة إلى القليل من الثقة بنظرياتنا عن أنفسنا، فقد نعتقد أننا نعرف كيف نشعر ونتصرف، ولكن كل الأبحاث تظهر أن هناك الكثير مما نجهله عن أنفسنا والموجود باللاشعور، أو أننا غير مدركين لكمية المعلومات الداخلية التي لدينا، حيث تنتج شعوراً مضللاً بالثقة. ولكن إذا قللنا من يقيننا بشأن من نكون وما هي دوافعنا، فلا شك في أننا سنرى أنفسنا أكثر وأوضح كما يرانا الآخرون، وسنكتسب المزيد من الوضوح بشأن أنفسنا.

استشارة

الأخ (م. س) رداً على رسالتك، فإنني أرى نقاطاً محددة تحتاج إلى التوقف عندها ومحاولة التعامل معها بجدية، فهناك تتداخل بين المواضيع وقد يكون السبب الحقيقي، هو كيفية نظرتك لكل ذلك مما يسبب لك حزناً وألماً أدخلك في مشاكل نفسية. لذا:
• من الواضح أنك تعاني الضغوط النفسية، بسبب المواقف التي مررت بها، فعليك اللجوء إلى الاسترخاء واستخدم الكتابة كثيراً للتعبير عما يضايقك، وإن كانت مواقف قديمة، كما يفضل أن تمارس تقنيات التأمل، وقد ذكرت بعضها في مقالات سابقة.
• ضع لنفسك أهدافاً في حياتك، واسعَ إلى تحقيقها وقسمها على مراحل، كثلاثة أسابيع وثلاثة أشهر حتى يسهل عليك تنفيذها
• راجع أخصائياً نفسياً ليساعدك على التخلص من كل ما مررت به حتى ترتب أولوياتك، وإذا كنت في حاجة إلى الدواء سيرشدك إلى الطبيب النفسي.