تبدو سرقة الكتب وكأنها من المباح الثقافي وقد تكون رابعة المباحات الكلية (الناس شركاء في ثلاث، الماء والكلأ والنار) ورابعتها الكتب كما هو الظاهر من عدم تحرج الناس من الاعتراف بسرقة الكتب مباشرة أو عبر التغاضي عن رد المستعار، ومن طرائف قصص السرقات ما ورد في معجم الأدباء عن أبي محمد بن الخشاب الذي إذا احتاج لشراء كتاب مر على سوق الكتب وغافل الناس فيقطع ورقة من وسط الكتاب ثم يقول إنه مقطوع فيأخذه بثمن بخس، وإذا استعار كتاباً وطالبه به صاحبه يقول: لقد اختفى بين الكتب فلا أقدر عليه، وقد كانت عنده صفة كبيرة في داره تكتنز كتباً ودفاتر وجزازات، وقط ما استعار من أحد كتاباً وردّه، وإذا طلبه أحد رد كتاب قال هو في هذا الجزاز فاذهب وابحث عنه، لكنه كفر عن أفاعيله حينما كبرت سنه، فأشرع باب داره وتركه مفتوحاً لكل من رغب في كتاب أو أكثر، وقد عاش حياته وحيداً لا زوجة ولا ذرية، وعائلته الوحيدة هي الكتب، وله عجائب في اللبس حتى كان يلبس عمامة لا يخلعها عن رأسه وتتسخ وتسود، وترمي عليها الطيور ذرقها، كما يرد في أخباره، وهمه المطلق هو معايشة الكتب والنوم معها والتآنس معها حتى ودعها لتنتشر بين الناس من دون ثمن.
هذه قصة لا بد أن لكل واحد منا طرفاً منها، وقد مرت بي وقائع لكثيرين من رفقتي كان آخر عهد الكتاب هو وقوعه في أيديهم، حيث لا يرد ولا يستبدل، ولا تستعاب سرقته، ولا يتردد أحد من سرد مغامراته في سرقة الكتب بمثل أنه لا يستعيب شربة ماء من ساقية أو بركة، وهكذا هي الكتب، ماء الحياة (عن ابن الخشاب: معجم الأدباء ج 4/‏ 1495 و ص 1505، دار الغرب الإسلامي).