• كيف تعرفت إلى أحمد فؤاد نجم؟
بعد أن تخرجت في المعهد العالي للاسلكي، وكان والدي من المعجبين به ومن أصدقائه، ذهبت إليه بوصفه من المشاهير أطلب منه أن يتوسط لي في إيجاد وظيفة أعمل بها، وقدمت نفسي له وتعرفت إليه، ووعدني بمساعدتي في الحصول على عمل، وبعد أكثر من زيارة فوجئت به يطلب الزواج بي، فوافقت على الفور وحظي السعيد جعلني زوجة له، وبعد أن عشت معه 25 عاماً، أقول إنني لم أرَ أحداً متسامحاً ومتصالحاً مع نفسه كما رأيت هذا الرجل، الذي لم يكن يخشى أحداً أبداً من البشر، ولم يتردد في مساعدة من يطرق بابه، فلقد كان في منتهى الطيبة والحنية ونظافة اليد وحب الناس، وكان يفرح جداً عندما يساعد أي إنسان، وكان أمام الميكروفون، مثلما كان في بيته أو في الشارع، كل معاني الإنسانية كانت متجسدة في هذا الإنسان الذي لن يعوض ولن يتكرر.

لم أكن زوجة أب

• وكيف كانت علاقتك مع بناته؟
طيلة معيشتي معه، كنت أسأل نفسي، لماذا لم تعمر زوجاته الأوليات معه؟ وكنت أقول: «حد يترك رجل مثل نجم في حنيته وحبه لأسرته؟»، فهو كان زوجاً وأباً مثالياً، كان لي أخاً وأباً وأماً، أعتقد أنهم لم يحسوا به، بدليل أنني حتى الآن أعيش في خيره، فهذا الرجل ربى بناته أفضل تربية، ولم أشعر يوماً بأنني زوجة أب لأي من بناته، فابنته نوارة (عاملة لي توكيل بكل أمورها)، وأنا وهي صديقتان جداً لأنني أكبر منها بسنتين فقط فأنا مواليد 1971 وهي مواليد 1973، وطول عمرنا أصحاب ومتفاهمين جداً، لأنها كانت ترى أنني صبرت مع والدها كثيراً، وعشت معه على البلاط، عندما سكنا في قليوب في قرية «مين طاي» في شقة لا فيها ماء ولا صرف صحي، وكنت أنزل من شقتنا في الدور الثالث أملأ الماء من (الطلمبة) التي كانت في الدور الأرضي. وقبل ذلك عشت معه في حي الغورية، وعشت معه 16 عاماً في مساكن الزلزال، وقبل وفاته بسبع سنوات انتقلنا إلى المقطم. وعندما كان يأتي أحد ويسألني كيف تعيشين مع أحمد فؤاد نجم وهو في عمر والدك؟ كنت أقول لهم هو نعمة ربنا التي أنعم بها عليّ، ولم أكن أحلم في يوم من الأيام برجل في طيبته وإنسانيته.

• وصفك نجم في كلماته بأنك «ترماي».. لماذا؟
كان يقول ذلك لأنه كان يعرفني جيداً ويعرف صراحتي الكبيرة، لأنني لم أكن أحب المجاملة أو تزويق الكلام، فقد تعلمت منه ذلك، لم أكن أخجل أبداً من مواجهة الآخرين، عندما كنت أجد أي إنسان يأتي لزيارته على الرغم من أنه كان يهاجمه، كنت أقول له كيف تجرؤ على الحضور إلى هنا وتجلس معه وأنت تهاجمه؟ ومن هنا كان يقول لي أنت مثل «الترماي».

نجم والمطبخ

• ماذا عن الأكلة التي كان يحبها؟
كان من عشاق السمك بكل أنواعه، ولم يكن له في تناول اللحوم أو الدجاج، وكان يحب الملوخية الخضراء ومحشي الكرنب والباذنجان المخلل، وكانت هذه آخر أكلة طلبها مني وأكلها بعد عودته من رحلة الأردن، إذ توفي بعدها بيومين أو ثلاثة، قبل عودته اتصل بي وقال يا أميمة اعملي لي محشي كرنب وباذنجان، وعندما عاد أكل منه في الصباح، ولو وضعت له لقمة بدقة يأكلها، كان قنوعاً يرضى بأي شيء.

مكافأة نهاية الخدمة

• ألم يكن يدخل المطبخ؟
كنت أقبل يده وأطلب منه ألا يدخل المطبخ، لأنه كان مثل الأطفال، إذا ما دخل إلى المطبخ يقلب الدنيا، ولذلك كنت أوفر له كل شيء يريده من المطبخ قبل أن أنام، فهو كان يحدث فوضى كبيرة في المطبخ، فلم يكن يعرف حتى يعمل لنفسه كوباً من الشاي، ولو ظل يومين من دون أكل لا تفرق معه، لا يأكل إلا إذا أكلته، كان كالطفل الذي لا بد أن تراعيه أمه وتأخذ بالها منه.

• كيف كانت مشاعر نجم عندما ولدت «زينب»؟
عندما رزقنا بابنتنا زينب، التي ولدتها وكان عمره 63 عاماً كان «طاير بها من الفرحة». فقد كتب عنها نصاً شاعرياً قال فيه:«زينب كانت بالنسبة لي مكافأة نهاية الخدمة، وهي اتولدت على ايدي واتربت في حجري، على فكرة اسم زينب هذا له قصة: في ليلة 22 مايو سنة 1992 كنت سهران عند عبده جبير في المبتديان وراجع قبل الفجر، عديت على مسجد السيدة زينب «أم هاشم» لأصلي الفجر، وبعد صلاة ركعتين تحية للمسجد، جلست وسندت ظهري على عمود، فنعست، وأنا نعسان سمعت صوت نايات وبنادير وناس بتقول أم هاشم.. أم هاشم، نظرت ناحية الصوت ولقيت نور مثل قرص الشمس، فقمت واقفاً وأنا أقول مدد يا ست، وحسيت بيد تمسح شعري وصوت يقول لي: جايلك زينب، مع إن زوجتي أخبرها الطبيب حسب الأشعة التلفزيونية أنها حامل في ولد. جت زينب وعملت لنا الروشة اللي هي عملاها دي.. وطلعت عاقلة زي أبوها مفيش في دماغها سلك موصل مع التاني.. كله لادع».
 
فيلم «الفاجومي»

• هل رأيت فيلم «الفاجومي» الذي تناول حياة زوجك الراحل؟
الفيلم فيه أخطاء كثيرة، ولهذا كتبوا عليه إنه رؤية المخرج، واللقطة الوحيدة التي تمت للحقيقة بصلة هي عندما جاءت الحكومة تلقي القبض على نجم وكانت معه الأستاذة صافيناز كاظم وابنته نوارة، وحتى هذا المشهد كان فيه مبالغة، وقد اعترضت على الفيلم أمام الصحافيين وقلت إنه ليست له علاقة بنجم، مما أغضب المخرج، فقد أظهروا نجم بوصفه دونجواناً، من امرأة إلى امرأة، وكأنه مناضل في السرير، وهذا منافٍ للحقيقة.

آخر الكلمات

عن آخر لحظات حياته، تقول أميمة: «قبل أن يموت أيقظني من النوم، وقال لي قومي اقعدي معي حتى أشبع منك، قلت له أنت راجع من السفر وقاعد معي، فقال لا، تعالي نقعد سوى عشان أشبع منك، وكان قد أتصل بابنته نوارة قبل أن ينام، وطلب منها أن تأتي لتتغدى معنا ويراها، وكانت نوارة حاملاً في شهرها الأخير وكان ينتظر حفيدته فاطمة بشوق ولهفة، وقد ولدت بعد وفاة جدها بخمسة أيام».