كان الموسيقار الراحل ملحم بركات يرفض فكرة أن يغني المطرب اللبناني بأي لهجة غير لهجته، لأسباب عديدة. كان بركات يقول: «علينا أن نرفع مستوى أغنيتنا، وأن ننشرها في العالم العربي، لا أن ننشر أغاني مصر التي لديها عشرات النجوم». ثم يضيف: «فكرة أن يغني اللبناني بلهجة مصرية أو خليجية أو أي لهجة، مرفوضة، والمطرب اللبناني الذي يغني بغير لهجته هو (خائن لوطنه)». بعد هذه الجملة الأخيرة، قامت عليه القيامة الصحافية. استنكر الصحافيون هذا الكلام المليء بالتفرقة العربية. رحل ملحم بركات منذ عامين بالضبط، وبعد عامين وقف نجم مصر الفنان الكبير هاني شاكر على مسرح دار الأوبرا المصرية، وغنّى من ألحان ملحم بركات أغنيته الشهيرة «يا حبّي اللي غاب من عمري أنا، حياتي عذاب حرمني الهنا...». بإحساس رائع، هو إحساس الأب الذي فقد ابنته منذ سنوات قليلة، وهو هنا يغني لها «من بعدك لمين لمين، الزهر بينحني، وبتشرق لمين لمين شمسك يا دني...». حقق هاني شاكر حلماً من أحلام ملحم بركات المكتومة، أن يسمع أغانيه اللبنانية بأصوات عربية. الأغنية التي كتبها شاعرها الكبير الراحل منير عبد النور، يوم رحلت زوجته ورفيقة عمره، ولحنها ملحم بركات متأثراً بمعانيها، يأتي هاني شاكر ويغنيها وبدمعة حارقة في العين والقلب المكسور. حدثٌ تاريخي، لم يمر عابراً في مشوار هاني شاكر الشاسع الواسع، ولا هو مر عابراً أمام عيون وآذان الذين عرفوا ملحم بركات وعايشوه عن قرب.