ازدواجية المعايير هي الآفة التي يعانيها عالمنا العربي المنكوب بين أفكار بنيه وسلوكهم. شيءٌ لا يهضمه عقلٌ ولا يستوعبه منطق. تلك المساحة الرمادية بين إيمان المرء وسلوكه مدعاة تعجُّب بحق.هذا إنسانٌ يفهم مواقع التواصل بصورة مغايرة على ما يبدو، ويُحمِّلها أكثر مما تحتمل، هو يعتقد أن تلك المواقع منصة لتأليف الحِكَم وصناعة الأقوال الخالدة، لا بأس إن كان لديه ما يقول فالتجربة الإنسانية تحتمل المشاركة، ولا أنكر حقيقةً أن لصاحبنا بعض تغاريد شدَّتني فقررت الدخول على صفحته لعلّي أحظى بالمزيد. فكانت التغريدة الأخيرة بمعنى: «لا تسهم بترويج الفضيحة، وإذا ما وصلتك لا تُعد تدويرها ودعها تمت بإهمالها» ثم يُلحق القول بحديث شريف «مَن سترَ مسلماً».
صاحب حساب الحِكَم والأقوال المأثورة هذا لديه اهتمام سياسي في الوقت ذاته، يبدو ذلك جليّاً من الشعار الذي يعتلي صفحته، والسياسة لا تخلو من خصوم، خصوصاً لمن ينتمي إلى أحد تيارات الإسلام السياسي، فالجبهات مفتوحة على مصراعي الدين والسياسة، فتجده متخبطاً يراوح بين نُبل القيم الدينية ودناءة المكائد السياسية.
قرأت كثيراً من التغاريد في صفحته لعلِّي أفهم أو أتفهم، ولكنني بأمانة نسيتُ كل ما قرأت، ولم يعلق في ذاكرتي إلا تغريدة موت الفضيحة إياها، وتغريدة أخرى تبعد عنها، نزولاً، بضعة سنتيمترات، تحملُ صورة أحد خصومه السياسيين تشي بأنه ثمل في «كازينو»! وإزاء نصيحة أحد المغردين: «استر أخاك..»، يُجيب صاحبنا: «.. هو لم يستر نفسه!».
وهنا إنسانة مؤمنة، غيورة على دينها ومقدَّساته، لا تحتمل مناقشة فكرة، أو إنصات إلى رأي مخالف، أو طرح سؤالٍ لم يدرك له صاحبه إجابة شافية. استفزتها مقالة تنتقد المتعصبين بآرائهم الدينية، أولئك الذين يسيئون للدين باسم الدين، فتشرع بكتابة ردٍّ على المقالة تحاول فيه أن تنصف دينها وأن تهدي كاتب المقالة الضَّال إلى الصواب، فتبدأ ردَّها الطويل بـ«لا تتفلسف يا حمار»، وتُضمِّن الرَّد بنعوتٍ وأوصافٍ تسخر من «خِلقة» الكاتب وملامحه ولونه، وتختم دعوتها للدين الإسلامي السَّمح بـ«أتمنى أن تستوعب تلك الكلمات يا بهيمة»!
عن أي حوار نبحث؟ وأين هي الأرضية التي تجمع الاثنين، المؤمنة الغيورة والبهيمة، أو المنادي بقتل الفضيحة والمفضوح، وهل من أرضية تتسع لحوارٍ يُفضي إلى حقيقة أو ما يقترب منها؟ حوارٍ يُقرِّب وجهات نظر، أو يكرِّس اختلاف آراء ينتهي بمصافحة و«سلام».
المأزق ليس في صاحب «موت الفضيحة» ولا في «داعية البهائم»، إنما المأزق الكبير هو أنهما مجرد عيِّنة صغيرة جدّاً لمئات الألوف من العقليات التي تحيا بيننا، أو بالأحرى.. نحن من يكابد الحياة بينها!