من بيوت العريش صيفاً وبيوت الشعر شتاءً، إلى بيوت الطين والكهرباء والماء الذي لم يعد عليهم أن يقطعوا مسافات طويلة من أجله كل صباح. ومن الغوص من أجل اللؤلؤ، وقضاء الأشهر القاسية في البحر بعيداً عن الأهل والأحبة، إلى المدن التي بدأت تعانق السماء بشواهق مبانيها، تجوّل كبار المواطنين الذين حاورتهم «زهرة الخليج» بمناسبة الاحتفال باليوم الوطني الـ47، في ذكرياتهم مسترجعين معهم شكل حياتهم القديمة.

15 يوماً.. ثم ساعتان

عن الترحال بين المدن ومدته قبل توافر المواصلات الحديثة، يقول محمد بن سعيد اليبهوني الظاهري: «كانت الرحلة من العين إلى دبي مثلاً، تستغرق ما يقارب الـ15 يوماً في الأيام الصافية، أما في أيام الشتاء الممطرة فكانت تطول المدة إلى 20 يوماً وأكثر. أما عن الوسيلة للرحلة فلم تكن لدينا وسيلة سوى الناقة، قبل أن نحصل على السيارات من الاحتلال البريطاني بعد مغادرتهم أرضنا، وكان أكثر ما يخيفنا في الرحلة هو أن تُسرق الناقة ساعة غفلتنا أو نومنا، وهذه إحدى مشاق السفر في تلك الفترة». وعن كيفية التزود بالماء طوال أيام الرحلة الكثيرة، يخبرنا: «الآبار كانت محفورة على طول الطريق، حيث المسافة بين كل بئر (طوي) وآخر تبلغ خمسة أو 10 كيلومترات، ويعرف أماكنها المسافرون فلا يخطئونها». أما عن عمله، فقد عمل الظاهري في أكثر من وظيفة، حيث عمل في الجيش والشرطة، والمواصلات والتربية، وكذلك في شركة البترول، وكان راتبه قليلاً مقارنة براتب العامل في هذه الحقول بعد الاتحاد، إذ كان يتلقى ما يقارب «70 روبية» عن عمله فيها. ولمعرفته القليلة بالكتابة، بعد أن تعلمها في الكتاتيب، ومعرفته البسيطة كذلك باللغة الإنجليزية، تم توظيفه كاتباً في النقل، لكتابة ثمن السيارات، ثم في المنافذ الحدودية والجوازات والمرور لكتابة بيانات السيارات. والحياة كما يقول كانت شاقة، لكنها جميلة، وأصبحت أجمل وأكثر أماناً ورفاهية بعد الاتحاد.

أرجوحة شجر السمر

في حديثها عن عرسها، وعن وسائل الترفيه التي كانت لدى الشابات قبل وجود الحدائق ووسائل الترفيه المتعددة بعد اتحاد الإمارات، تقول موزة النيادي: «حين تزوجت، كان لباسي بسيطاً، عبارةً عن ثوبٍ ملون وغطاءٍ للرأس والوجه، وبعض مجوهرات الزينة لرقبتي ويدي، وقد تم تخصيص مكان في الموقع المخصص للزفاف، وإجلاسي فيه مع تغطية وجهي، وكشفهم عنه بين الحين والآخر لتنظر إليه النساء الملبيات لدعوة الزفاف. وكانت العادة في تلك الأيام أن تترك العروس بعد الحفل في بيت ذويها، ويأتي «المعرس» في صباح اليوم التالي لتناول «صباحية العرس» مع أهل زوجته، ويأخذها وقت الضحى إلى بيت الزوجية أو بيت أهله. أما عن طعام حفل الزفاف، فقد كان بسيطاً، وهو عبارة عن ناقة واحدة، تُعقر ويطبخ لحمها مع الأرز في قدور كبيرة على النار، ويوزع على ضيوف الحفل والجيران».
أما عن ترفيه الشابات في ذلك الزمن، فقد كنّ يصنعن أرجوحتين متقابلتين بحبالٍ تعلّق على شجرة «السمر»، وتجلس الفتيات عليهما وهنّ يشبكن أرجلهن ببعضها البعض، ويغنين أهازيج تسلّيهن، ولم يكن في ذلك حرجٌ لدى أحد». وعن الأعمال التي كانت تقوم بها موزة والنساء في تلك الحقبة، فقد كانت مقتصرة على «التروّي» (إحضار الماء من البئر أو النبع إلى المنزل)، ولمّ الحطب، ولمّ الرطب كذلك، و«خض اللبن»، بالإضافة إلى أعمالها المنزلية المعروفة.

البحر من قبل ومن بعد

راشد أحمد عبد الرحمن من دبا الحصن، محبّ البحر، كان قد انتقل إلى الكويت من أجل العمل على متن مركب شراعي قبل قيام الاتحاد، حيث كان يعمل في البحر من الأعمال الخاصة بالمركب والغوص، ثم بيع السمك، وظل فيها حتى تم الإعلان عن اتحاد الإمارات، فعاد مع رفاقه للدولة وعمل فيها بعد ذلك، يقول: «تعلمنا السباحة من أهلنا، وعلمناها من جاء بعدنا، لنستمر في مهنتنا التي نحبها. كانت الحياة قديماً ضعيفة في مواردها، وقاسية، ولكننا كنا نحتمل من أجل توفير «لقمة العيش». في الغالب لم نكن نشتري السمك، بل كنا نصيده بأنفسنا. لم يكن عملنا مقتصراً على البحر، ولكننا عملنا كذلك في مجال زراعة النخيل وصناعة (العريش) من سعفه، حيث كانت بيوتنا في الصيف تُبنى منه».
وعن الأسواق يخبرنا: «كانت الأسواق متنوعة، ومبنية من الطين، ولها (دروازة) تقفل في وقت محدد من اليوم». يضيف راشد: «عمل الوالد أحمد بعد قيام الاتحاد في وحدة الملاريا في الصحة كعامل، ثم تم نقله إلى مختبر تحليل الدم، ولكنه بقي وفياً للبحر عاشقاً له، إذ كان بمجرد انتهاء عمله يتوجه إلى البحر لممارسة عمله الأول، ويعود للمنزل بعد المغرب، كعادته من قبل قيام الاتحاد، حيث يجتمع في ذلك الوقت مع أسرته ويتسامرون حتى يغلبهم النوم».

مجتمع واحد .. قلب واحد

خديجة الزعابي، أو أم عبد الله، من الرمس بإمارة رأس الخيمة، استرجعت مظاهر التكافل الاجتماعي والتقارب الأسري قبل الاتحاد، قائلةً: «كان الترابط الأسري قويّاً سابقاً، والأسرة على قلبٍ واحد، وكذلك أهل «الفريج»، حيث تجد الغني معاوناً الفقير، والجار دائم الارتباط بجاره والتفقد لحاله، وتتبدّى مظاهر التكافل بين أفراد المجتمع أكثر في مواسم الأعراس، ومواسم الأعياد، حيث تجد في الأولى «المعونات الاجتماعية» التي يقدمها أهل القرية لـ«المعرس»، فيمتلئ منزله بها قبل الزواج وبعده، من هدايا متنوعة بين الغذائية والمادية والمالية، وغيرها مما يعينه على حياته الجديدة. أما «العروس» فقد كانت النساء يجتمعن في بيت أهلها قبل موعد حفل الزفاف ويقمن بحياكة ثوب زفافها بكل قطعه، من ثوب وبرقع وغطاء رأس، وتجهيزها بكل ما يمكن تجهيزها به. أما في الأعياد فلم يكن أي بيتٍ يخلو من طعامٍ لأهله وضيوفهم طوال أيام العيد». وعن اجتماعها مع النساء، تشير إلى أنها كانت تجتمع مع رفيقاتها الخمس، لإحضار الماء من البئر، تعاونهن على حمله الحمير، ثم تم صنع العربة المربوطة بها، وخفّف ذلك من ثقل المسير عليهنّ. تقول: «كانت أياماً جميلة، وما زال جمالها مستمراً بعد الاتحاد، وصارت الحياة أكثر يسراً».