لا بد أننا شاهدنا يوماً مشهداً سينمائياً، يُفترض أنه مضحك، تقوم فيه إحدى شخصيات الفيلم برمي كعكة بالكريمة في وجه شخصية أخرى.
فتلك «النكتة» بدأت في السينما الهزلية، لكنها انتشرت في بلدان الغرب في الحياة الحقيقية، فباتت تشكل وسيلة للتعبير عن السخرية من شخصية عامة معروفة. وأصبح لها «أخصائيون»، أشهرهم البلجيكي نويل غودان N. Godin. ذاع صيته بعشرات «الاعتداءات» منذ عام 1969، طالت سياسيين وفنانين وأدباء وإعلاميين، من بينهم الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي، ووزراء ومخرجون سينمائيون، وبشكل خاص الناشط الفرنسي بيرنار هنري لي?ي، الذي تعرض لقصف غودان سبع مرات حتى الآن. وهو الوحيد الذي حظي بتلك المنزلة، إذ لم يتسلم الآخرون، لكل منهم، سوى كعكة واحدة بالكريمة من البلجيكي الساخر.
ذلك لا يجيب عن السؤال: لماذا شاع مشهد رمي الكعكة بالكريمة في الأفلام السينمائية الهزلية؟
يظن البعض أن «التقليد» يعود للإنجليزي شارلي شابلن وللثنائي الهزلي الأميركي لوريل وهاردي. صحيح أنهم أسهموا في نشر مشهد الكعكة بالكريمة وإعلاء شعبيته. لكن، في الواقع، تعود إرهاصاته إلى أقدم منهم، إلى أيام الأفلام الصامتة، تحديداً إلى عام 1913.
في تلك السنة، تم تصوير فيلم صامت من 10 دقائق، لا يعدّ من أعمال الفن السابع الخالدة، وما كان أحد ليذكره اليوم لولا أهميته التاريخية كمنطلق لمشهد الكعكة بالكريمة. الفيلم بعنوان «ضجيج من الأعماق» A Noise from the deep، مثل فيه روسكو أربوكل، الملقب «البدين»، مع الممثلة مابل نورماند. في أحد المشاهد، تأخذ هذه كعكة بالكريمة كان أحد العمال يهمُّ بتناولها، لكي ترميها في وجه «البدين». لكن، رُبّ رمية من غير رامٍ.. أو رامية. إذ لعبت الصدفة دورها: فالممثلة لم تحسن التصويب، فرمت الكعكة في وجه ممثل آخر. فقرر المخرج، مارك سنيت، إبقاء اللقطة على حالها.
لاقى ذلك المشهد الكوميدي نجاحاً منقطع النظير لدى الجمهور، الذي استغرق في الضحك لدقائق. كما أسهم ذلك التوفيق في تعزيز شعبية الممثل أربوكل و«قيمته» بالدولار، بحيث أبرمت معه شركة بارامونت للإنتاج السينمائي عقداً لثلاث سنوات، بثلاثة ملايين دولار، مما مثل ثروة هائلة آنذاك، ورقماً قياسياً لأتعاب ممثل.
أما المسكين الذي تلطخ وجهه بأول كعكة سينمائية بالكريمة، فكان الممثل بن تورپن، الذي لم يعد أحد يتذكر «دوره» غير المقصود في إطلاق تقليد قُدِّر له أن يصبح راسخاً ويستمر في الأفلام الهزلية الناطقة، ولا يزال كذلك ولو بدرجة أقل من القرن الماضي. كما «توسع» المشهد الساخر لكي يشمل الحياة الحقيقية أيضاً، مثلما أسلفنا.