يقول الفيلسوف الأيرلندي برنارد شو: «يكفي المرأة رَجُل واحد لتفهم جميع الرجال، ولا تكفي الرّجُل مئات النساء ليفهم امرأة واحدة».
على هامش معرض الشارقة للكتاب، تناولت القهوة مع أحد الأصدقاء بينما كنا نثرثر عن الأدب ومشاغل الحياة، وقادتنا الأحاديث شيئاً فشيئاً إلى الخوض في شجون العلاقات العاطفية، بتشجيع من هبّات النسيم الباردة على «قناة القصباء»، وإذ بصديقي يشد شعر رأسه قائلاً بيأس: «النساء! لا تعرف أبداً ما يدور في رؤوسهن»، قبل أن يتذكر فجأةً فيلم What Women Want ويوصيني بمشاهدته. بعد ذلك بثلاثة أيام، كنت أقرأ كتاب (هكذا تكلم القارئ) للكاتب الإماراتي محمد حسن المرزوقي، لأصادف اسم الفيلم نفسه في مقدمة أحد الفصول، مثل تنبيهٍ يُعاود الظهور بعد تجاهله، فاعتبرتها إشارة كونية، وقررت مشاهدة (ما تريده النساء) فوراً، وكأنني أذاكر لامتحان يخبئه القدر لي.

أفكار النساء

يتحدث الفيلم عن نيك (ميل غيبسون) وهو رجل وسيم وناجح مهنياً، يعمل في إحدى شركات الدعاية، مطلّق وله العديد من العلاقات النسائية وتسير حياته على أفضل ما يرام، إلى أن ينقلب كل شيء رأساً على عقب حين يتعرض لصعقة كهربائية تمنحه ميزة خارقة، وهي القدرة على سماع أفكار النساء حرفياً، ومعرفة كل ما يُخفينه في رؤوسهن من انطباعات ووساوس وأمنيات، ليُصدم بعالمٍ موازٍ كان محجوباً عنه من قبل، فالموظفة التي كانت تضحك على نكاته تجده سخيفاً، ونادلة المقهى التي تصده دائماً تتمنى في سرها أن تخرج معه في موعد، وابنته التي تبدو طفلة في عينيه تخفي عنه شؤوناً تخص البالغين.


فكرة فانتازية

فكرة الفيلم الفانتازية منحته طابعاً كوميدياً جذاباً، يقوم على التناقض بين ما تبوح به المرأة وما تُخفيه، فالمتعة والفضول سيرافقانك على طول المشاهد، ولا تعشّم نفسك بأحداث واقعية جادة، فالفيلم به لمحة من عالم ديزني، حيث الصدف والأجواء السحرية، وستطمئن أثناء مشاهدته بأن نهايته سعيدة مثل أفلام الكريسمس. تقييم What Women Want على موقع IMBD هو 6.4/10، وأفلام الدراما التي تنال تقييماً بين الـ6 و7 تكون غالباً لطيفة ومبهجة ببساطتها، مثل طلبة الـC في الجامعة.
في إحدى الدول العربية، تَقدّم شاب من فتاة تقف على الرصيف وسألها إن كان في إمكانه دعوتها لتناول كوب قهوة، لكنها رفضت طلبه بعد أن صورت الحادثة كاملة، ثم نشرت الفيديو على مواقع التواصل، لتثير جدلاً واسعاً، وانقسم الناس إلى فريقين: فريق يتهم الشاب بالتحرش لأنه تعدّى على خصوصية الفتاة بحسب قولهم، وفريق يدافع عنه بدعوى أنه أراد التعارف بطريقة مهذبة وانصرف من دون عدوانية. لم أذكر هذه القصة لأقف مع أحد، لكن خطر في بالي أنه لو امتلك ذلك الشاب ميزة نيك الخارقة في فيلم (ما تريده النساء)، فمن المؤكد أنه ما كان ليتجرأ على سؤالها. فكرت في هذا كله وأنا جالس بالمقهى أثناء كتابتي المقال، مُنقّلاً بصري بين شاشة (اللابتوب) وامرأة وحيدة تجلس بجوار النافذة وتبدو شاردة بخيالها. تاريخ اليوم 11/11 (اليوم العالمي للعزّاب)، وفي الخارج عاصفة رعدية وأمطار تغمر أبوظبي. حدقت في وجه الفتاة الشاردة، وفجأةً.. لمع برقٌ خاطف، وأعرف ما تفكرون فيه جميعاً في هذه اللحظة.

توصية لخمسة أفلام من بطولة ميل غيبسون:

• Braveheart
• Lethal Weapon
• Payback
• We Were Soldiers
• The Patriot
يشعر نيك بأن هذا الكم من الأفكار التي يسمعها يفوق قدرته على الاحتمال، فيحاول العودة لطبيعته الأولى، إذ إن في الجهل أحياناً راحة كما يقول المتنبي: (وأخو الجهالة في الشقاوة ينعمُ)، وبعد أن يُعرض نفسه لصعقات البرق دون جدوى؛ يقرر استغلال ميزته الخارقة في علاقاته العاطفية والوظيفية مع النساء، لتفتح له أبواب النعيم والجحيم معاً.