العرب مغرمون بجمع الأضداد والمتشابهان، منها الأبيضان الملح والسكر، والأصغران القلب واللسان، والأصفران الذهب والزعفران، وهناك قائمة كثيرة حول هذه الثنائيات التي كانت وليدة ذهنية مؤلف، وأضفى عليها البعد التاريخي وكثرة النشر والترداد، صفة الحقيقة المطلقة غير القابلة للنقاش.
ومن الأمور التي أعتقد أنها تصح كثيراً، هي الخصمان وهما العقل والقلب، وهي ثنائية لا تحمل صفة المطلق، بينما في حالات كثيرة هما خصمان في الحقيقة، ولا يتفقان على الرغم من مرجعيتهما إلى الإنسان، وفي كثير من الأحيان يتعلق الخلاف بينهما في أمر مصيري للإنسان.
في سلوك الإنسان الطبيعي واليومي، هناك عقل يسير أموره، ولا اعتراض لبقية أعضاء الجسم على قرارات العقل، إلا إن كانت هناك علة تحول بأحد الأعضاء، كأن لا تساعده قدمه على المسير ويرغب في ذلك.
أما في الأمور العاطفية والتي محلها القلب، فهناك متسلط آخر لديه رغبة في أن تكون له القيادة والقرار وهو القلب، والأمور العاطفية ليست في الحب فقط، فالعاطفة أعم وأشمل من الحب، فالرحمة تحركها العاطفة، والصداقة والزمالة، حتى عشق المدن تكون العاطفة في موقع متقدم أيضاً حتى حين يقرر العقل، ترى العاطفة لا تعير ذلك الأمر أي اهتمام.
وفي الحب يكون القلب أكثر ما يكون متعصباً لرأيه، وهو أمر طبيعي لأنه هو المتحكم في سلوك الإنسان، وهو الذي يتأثر بانخفاض وارتفاع منسوب العاطفة والحب، بينما العقل لا تعنيه الاضطرابات النفسية والأثر والحزن، فهو أشبه ما يكون بآلة حاسبة، لديها مدخلات ولديها مخرجات محددة.
العقل لو تحكم في الإنسان وحده لما وجدنا الحب في البشر، ولا وجدنا الرحمة بين الناس، فحين يعطف الإنسان على فقير ويشعر بالحزن تجاهه، فإن القلب يرغب في مد يد العون له، بينما العقل يحسب ذلك المبلغ، وأثره في المحفظة، والنقص الذي سيحدث حين نقدم مبلغاً لمحتاج، وهذا السلوك هو ما أوجد لنا البخلاء في المجتمع، حيث إن العاطفة تكون منعدمة عندهم، فلا يوجد بخيل عاشق أو محب للناس، بينما الكريم غالباً ما يكون محباً للناس والجيران والمرأة.
الخصمان هما من يتحكمان في الإنسان، فلا بد من الحد من سطوة العقل في كل أمر يخص العاطفة، وإلا سيقود الإنسان تحت ذريعة العقل والحكمة إلى البخل والانزواء، ويصبح القلب جافاً لا حياة فيه ولا رقة ولا عاطفة.

شعر

قلبي يقول أحبُّها               وبأن شعري كله

والعقلُ قال أحبُّها              فيه استراحَ خطابُها

وبأن كل حكايةٍ                وأعيدُ كل رسالةٍ

مرتْ بها أسبابُها              حتى استقام كتابُها

وبأن كل قصيدةٍ               والعقلُ قامَ لردها

عندي احتواها بابُها            وعليهِ ثار شبابُها