كثيرون قالوا إن الكتاب الورقي لن يستطيع الصمود أمام تطورات التكنولوجيا الرقمية والتصفح الإلكتروني، وإن الجيل الجديد لا يقرأ، وإن قرؤوا فميادينهم شبكات الإنترنت. لكن هناك من يعارض هذا التوجه من الجيل ذاته، الذين يردون واقعاً على هذه التهمة، مؤكدين أنهم قارئون نهمون للكتب الورقية. «زهرة الخليج» التقت محبي الكتب الورقية على هامش «معرض بيغ باد وولف» للكتب، فماذا قالوا؟

يركز الشرطي حسين عبد الله انتباهه على الكتب التي أمامه، إلى درجة أنه لم يسمعنا نلقي التحية عليه، وعندما فطن لوجودنا بادر للاعتذار، قائلاً: «عفواً.. لكني أحاول اختيار ما يهمني من هذه الكتب لأضمها إلى مكتبتي في البيت». وقبل أن نسأله عن علاقته بالكتب الورقية، قال: «أنا مولع بالكتب، لا سيما تلك التي تركز على المهارات وتطوير الذات. أجدها ضرورية ومفيدة جداً، خصوصاً أنني أعود لها كلما دعت الحاجة، وأتعلم منها الكثير على صعيد التطور الذاتي». وحول الأماكن التي يفضلها لابتياع الكتب، يقول: «في الأغلب أنتظر معارض الكتب، لأنني أجد فيها ما لا أجده في المكتبات. وفي الحقيقة، أصر على اقتناء الكتب الورقية، لأن لي معها طقوساً أمارسها مع القراءة، مثل مطالعتها مع «فنجان قهوة» أو كوب من «الشاي»، في مقعدي الخاص في البيت أو في مقهى هادئ ومريح، وأسمّي هذه الطقوس خلوتي مع الكتاب».

الأدب الكلاسيكي

مأخوذة بالكتب المرصوفة على المنصة أمامها، تقول طالبة الصف الحادي عشر آمنة الحرازي: «سعيدة جداً لأن هناك الكثير من الكتب هنا، وأنا قارئة نهمة». اعتادت آمنة أن تقرأ نحو خمسة أو ستة كتب في الشهر، وتحكي: «أحب الكاتبة البريطانية «جين أوستين» وأبتاع كل كتاب يصدر لها، هي تُعرف بالكلاسيكية وأنا أميل إلى هذا النوع من الأدب». وتضيف: «يقرأ أصدقائي الكتب «أون لاين»، ولكنني أفضل الكتب الورقية، ذلك أن لرائحة الورق والحبر خصوصية تجذبني، كما أنني أفضل الغلاف القاسي على الطري، وبالطبع يهمني أن يكون المحتوى جذاباً ومشوقاً».

فانتازيا

صحيح أن الصداقة تجمع آمنة برفيقة الصف نفسه نور الشاعر، إنما هما لا تجتمعان على ذوق واحد في نوعية الكتب، ذلك أن نور كما تقول: «لا أحب الأدب الكلاسيكي وأعشق الفانتازيا والخيال العلمي، وهو ما تتميز بكتابته الكاتبة الأميركية فيرونيكا روث».
وعلى عكس رفيقتها، لا تمانع نور من أن تطالع كتاباً على الإنترنت في حال لم تجده في المكتبات، لكنها من جهة ثانية توضح: «أنا أيضاً أفضل الكتب الورقية وملمس الصفحات، فهناك إحساس غريب عند الإمساك بكتاب وكأنه يأخذ بيديك ليُدخلك عالماً بعيداً مليئاً بالإثارة والغرابة». وتختتم نور: «من لا يقرأ يفوت عليه متعة حقيقية لا يمكن وصفها بكلمات، يمكن فقط أن نعيشها ونحن نقرأ».

متعة ناقصة

 من جهته، يعتبر المتخصص في اللغة العربية والدراسات الإسلامية أحمد بن محمد، أن «معارض الكتب مهمة جداً، لأنها توفر لنا الكتب المحلية والعالمية من كل الأنواع، فتكون في متناول الباحثين عنها في مكان واحد». ويضيف: «أبحث عن الروايات والقصص القصيرة والشعر النبطي، ويجب أن تكون كتباً ورقية أشعر بملمسها، وأحن إلى رائحة حبرها العتيق الذي يحاكي عقلي ويأخذني إلى البعيد في رحلة ساحرة». ويؤكد أحمد: «العلاقة بالكتاب الورقي أقوى والارتباط العاطفي والمشاعر الحلوة التي يخلفها، لا يمكن للكتاب على الإنترنت أن يوفرها مطلقاً. إن قراءة الكتب «أون لاين» بمثابة متعة ناقصة بالنسبة إليّ».

صديق

أما علاقة العسكري المتقاعد راشد المنهالي مع الكتب الورقية، فبحسبه «متجذرة وقديمة». يقول: «لا أفهم الكتاب إلا إذا تصفحته بين يدي وبتمعن. لا أحسن التعامل مع الكتب على الـ«آي باد» أو من خلال أي وسيلة تكنولوجية أخرى، بل أصر على الورقية، حيث أقف عند الصفحة التي أحبها وأترك إشارة بقلمي على عبارة تهمني أو معلومة جميلة اكتشفتها». ويتابع: «أستطيع مع كتابي الورقي أن أدوّن ملاحظاتي، أن أشم رائحة صفحاته وأتحسس نعومتها، فلذلك شعور ممتع يجعل من الكتاب صديقاً لي، أرنو إليه عند حاجتي إلى المطالعة». وعن أهمية معارض الكتب التي تقام في الدولة يتحدث راشد لافتاً: «هي ظاهرة حضارية وثقافية وأساسية في بناء المعرفة في مجتمعنا، وأتمنى لو أنها تحث الجيل الجديد على القراءة التي أعتبرها زاد الإنسان في الحياة».