ولدت الحقوقية الأردنية إنعام العشا، في عائلة مكونة من ثمانية أبناء. وبما أنّ التقاليد تفرض زواج البنت الكبرى من ابن عمّها، فقد زوّجت إنعام التي كانت بكر أبويها، بعمر 14 عاماً، لابن عمّها الذي كان يبلغ 28 عاماً.  لكن إنعام استطاعت بعد 23 عاما من وضع حد لهذا الزواج، بحكم قضائي على أساس انتفاء التكافؤ في العلاقة الزوجية. متسلحة بدراستها للقانون ودافعها المستمر عن حقوق القاصرات.

أنهت إنعام العشا دراسة القانون لتصبح محامية، المهنة التي كانت وما زالت تمثل لها العدالة التي لم تُطبّق يوم أرغمت على الزواج، فوجدت نفسها منحازة لقضايا حقوق الإنسان، وهي التي كانت عرضة لانتهاك حقها في الاختيار. فعملت على قضايا السجينات، والأحداث، واللقطاء، وضحايا تجارة الجنس، وأطفال الشوارع. وأصبحت تشكّل مرجعاً حقوقياً معروفاً في مساندة هذه القضايا.
كلّ شيء يبدأ لدى العشا من قضيتها. فتقول لـ«زهرة الخليج» عن زواج القاصرات: «الفتاة القاصر في مجتمعاتنا مسلوبة الإرادة، وزواجها ليس سوى عقد إذعان تخضع فيه الزوجة الصغيرة لإرادة الزوج». وترى أنّ العائلات التي تزوّج بناتها وهن قاصرات تسعى إلى إيجاد حارس عليها، يراقب سلوكها وتحركاتها من دون مراعاة لشعورها. ونسألها:

نبدأ بالحديث عن قرارك في الانفصال عن زوجك بعد 23 عاماً تصفينها بالتأبيدة، فماذا تقولين؟
كان لا بد له أن ينتهي هذا الزواج، وخضع زوجي لرغبتي مع أنه أحبني وتمسك بي فترة طويلة، حاول خلالها إقناعي باستمرار الحياة بيننا، هو إنسان صالح، لكن لا يوجد أي نوع من التقارب الفكري أو الوجداني، ولا حتى في النظر للحياة والقضايا العامة والخاصة.
واليوم، وبعد جهود كثير من الحقوقيين والناشطين، يمنع قانون الأحوال المدنية في الأردن تزويج الفتاة دون سن الـ18 عاماً، لكنه يجيز في حالات استثنائية للقاضي الشرعي حق عقد قران الفتاة التي أكملت 15 عاماً، بحضور وليّها، وفي حال أثبت أن الزواج في مصلحة الفتاة.

حصلت على الثانوية العامة وأنت في منتصف العشرينات، كيف تصفين إرادتك وتجربتك في إكمال تعليمك متأخراً؟
لم يمنعني زواجي في مرحلة الطفولة عن حلمي في التعليم. فبعد جهد أعوام استطعت إقناع زوجي بالأمر، وقد تأخرت 7 سنوات دراسية كاملة قبل أن أحصل على الثانوية العامة في منتصف العشرينات. أتذكر أنني بكيت طويلاً يومها، من القهر والفرح، بعدها التحقت بالجامعة، من أجل دراسة القانون، وسط اعتراض من قبل أسرتي على الاختصاص الذي اخترته. حيث كانوا يعتبرون أنّ دراسة الفتاة للقانون عيب، وأنّ هذا الاختصاص يجب أن يكون حكراً على الذكور. وعلى الرغم من ذلك تمكنت من قهر إرادتهم التي لم ترَ لي إلا التخصص معلمة.

زواج القاصرات

منذ بدايات عملك المجتمعي والحقوقي وأنتِ تتبنين قضايا المرأة وحقوقها، فما السبب؟
لديّ القناعة بأن قضية المرأة هي قضية المجتمع، وأن النساء شريكات في مواجهة التحديات العامة وفي صياغة توجهات المستقبل، وبأن الإقرار بحقوق المرأة هو التزام بقيم المساواة والعدل والحرية والكرامة الإنسانية لكل بني البشر من دون تمييز.

يعد ملف زواج القاصرات من أهم الملفات التي تعملين عليها، فماذا يحمل من قضايا شائكة؟
الفتاة القاصر في مجتمعاتنا مسلوبة الإرادة، وزواجها ليس سوى عقد إذعان تخضع فيه الزوجة الصغيرة لإرادة الزوج. ومن خلال مؤسسات المجتمع المدني الحقوقية أعمل بشراسة على تعديل القوانين بما ينصفهن، ويمنع انتهاك حقوقهن تحت غطاء القانون.
 
حقوق المرأة

أسهمتِ في مشروع بيوت صديقة الذي تأسس عام 2008، من أجل حماية تلك الفئة، فماذا قدم لهنّ من حلول؟
تؤمّن هذه البيوت أماكن آمنة للموقوفات إدارياً بعد خروجهن من السجن. واستطاع المشروع وهب حياة جديدة لأكثر من 100 نزيلة، فتزوج بعضهن وأصبحن أمهات. هو مشروع يحكي عن شريحة كنت أنتمي إليها. أعرف قضاياهن ومعاناتهن ومشاكلهن، حتى الجانحات منهن مظلومات. فالظروف تدفع البعض نحو السقوط، وتلك الفئة تحتاج إلى من يمد لها يد العون.

كيف تقيمين التجربة الأردنية بما يتعلق بقوانين حقوق الإنسان عامة، وحقوق المرأة خاصة؟
يقوم المشرّع في الأردن بمراجعة تشريعاته وتعديل قوانينه ورفد منظومة التشريعات الأردنية بما هو جيد ويحقق العدالة بين الناس. وفي عام 2008 اعتبر من أوائل البلدان التي أوجدت قوانين للتعنيف الأسري، وقانون الاتجار بالبشر في عام 2009، إلا أنه لا يزال هناك بعض القوانين والتشريعات التي تحتاج إلى تعديل، لا سيما قانون حق إعطاء الأردنية الجنسية لأبنائها، مع أنه من الممكن نظرياً أن تمنح الأم الجنسية لأبنائها كالرجل تماماً تطبيقاً للدستور الذي يؤكد أن الأردنيين سواء أمام القانون.

تحديات سوق العمل

إلى ماذا يعود ضعف مشاركة المرأة في الحياة الاقتصادية في الأردن وتدني نسبة مشاركتها في سوق العمل على الرغم من ارتفاع نسبة تعليم الإناث؟
في الحقيقة، إن واقع عمل المرأة وتدني نسبة مشاركتها في الحياة الاقتصادية والتي لا تتجاوز 14 % مؤسف جداً، على الرغم من ارتفاع نسبة تعليم الإناث في الأردن، الأمر الذي لا يعكس واقع مخرجات التعليم مع نسبة العمل، مما يكشف عن واقع التحديات التي تواجهها المرأة في سوق العمل. على الرغم من أن القانون لا يمنع أي وظائف على المرأة، باستثناء «قاضي القضاة»، و«القاضي الشرعي».

أنت رئيسة للمعهد الدولي لتضامن النساء، فما الهدف الذي يبني عليه المعهد أعماله وأنشطته؟
يهدف بشكل رئيسي إلى نشر وتعزيز وإعمال حقوق النساء باعتبارها حقوق إنسان، والقضاء على جميع أشكال التمييز والعنف ضدها ، وتوفير الحماية والمساندة والتضامن بين النساء ومعهن ومن أجلهن، وتنمية قدرات ومهارات ومعارف النساء، وتمكينهن من خلال توفير الفرص لاكتساب المعارف والمهارات المتنوعة وبخاصة تمكينهن من معرفة حقوقهن وتحديد احتياجاتهن والمطالبة بها والدفاع عنها.

وما الاستراتيجية المرسومة لتحقيق تلك الأهداف؟
تتركز على كل ما يحقق توعية وإعلام النساء عن الحقوق الأساسية المكفولة لهن بموجب المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وخاصة المتعلقة بحقوق المرأة والدساتير والقوانين الوطنية.

أخيراً، ما الذي تحتاج إليه النساء العربيات في مواجهة تحديات هذا العصر، بكل ما يتسم به من سرعة وتكنولوجيا ومعلوماتية؟
إن تهيئة النساء للقرن الحادي والعشرين يكون بالأساس من خلال تطوير مهارات استخدام تكنولوجيا الاتصال والمعلومات ومهارات القيادة، وتوفير المعلومات المتنوعة وخدمات المساندة القانونية والاجتماعية، كذلك نعمل على مساعدة وتأهيل النساء ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان وخاصة ضحايا العنف، حتى لا يقعن فريسة للظروف، ولا يسبقهن الزمن.