تعكس التعليقات، التي ترافق الموضوعات المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي، ميول الشخص واتجاهاته، بل أنها تقربنا كثيراً من سماته الشخصية وتكوينه النفسي، وربما واقع مجتمعه واتجاهاته، مما يطرح علامة استفهام حول الدور الذي تلعبه الـ«سوشيال ميديا» في نشر قيم التسامح وتعزيز الحوار بين الأفراد والثقافات المختلفة. «زهرة الخليج» وتزامناً مع الاحتفالات بـ«اليوم العالمي للتسامح»، استطلعت آراء عدد من الاختصاصيين لنتعرف إلى تأثير تلك الوسائل، وهل هي داعمة لتقبل الآخر، رغم اختلافه ـ أم أنها «Block» في وجه التسامح؟.    

كل يوم، تمطرنا مواقع التواصل الاجتماعي مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«انستجرام» و«سناب شات» وغيرها من المنصات بأخبار وأحداث متنوعة ومختلفة من كل بقاع المعمورة، تستقطب تعليقات تتفاوت ما بين مؤيد ومنتقد ومدين للحدث المعني، وتكشف توجهات الأفراد وميولهم أينما كانوا، مما ينتج عنها ردود أفعال على أرض الواقع بعضها يتسم بالتسامح وبعضها الآخر يميل إلى التعصب والانغلاق. والأمثلة كثيرة، فمن خبر قضية اللاجئين السوريين في أوروبا، والمهاجرين غير الشرعيين في أميركا، مروراً بحادثة المذيعة الأميركية التي اتهمت بالعنصرية لتعبيرها عن رأيها على الملأ، وصولاً إلى خبر الطفل الذي أعدت له والدته حفل عيد ميلاده ولم يحضر أحد من مدعويه، والطفلة المريضة بالسرطان التي تحتاج إلى زراعة نخاع عظمي، كلها قضايا جيشت الرأي العام وتباينت فيها الآراء، بين متضامنة وأكثر تسامحاً وبين مواقف متعصباة وعنيفة. 

تحزبات واتهامات

 تعتبر أستاذة علم الاجتماع المساعد في جامعة الشارقة، الدكتورة أميمة أبو الخير، أن وسائل التواصل الاجتماعي فرضت نفسها على المجتمعات من ناحية تأثيرها في الأحداث اليومية، لكنها تبقى، حسب ما أوضحت، موضعاً للتقييم المستمر للآثار المترتبة على استخدامها على الصّعُد والمجالات كافة.
وتشير أبو الخير، إلى أن الـ«سوشيال ميديا»  لم تلعب دوراً حيوياً ولا حتى هامشياً في نشر قيم التسامُح ومفاهيمه، بل على العكس، أسهمت في نشر الاتهامات والشائعات والأكاذيب، وأحدثت في أحيان كثيرة بَلبلة في المجتمع، بحيث هيّأت الفرصة أكثر للتحزّبات والانشقاقات أكثر من التضامن والتماسُك، على حد تعبيرها.
وأكدت أن التعليقات التي ترد على أي «بوست» أو منشور يعالج أي قضية من القضايا أو يطرح فكرة من الأفكار، تميل إلى النقد اللاذع، والسخرية أكثر منها إلى المديح والثناء والدعم. وتوضح  أبو الخير، أنه عندما يتعلق الأمر بالآراء في مواضيع سياسية فإنه سرعان ما تنطلق الاتهامات بالعمالة والخيانة وعدم الوطنية.

تقبل الآخر

 كما تلفت أبو الخير إلى أن نشر قيم التسامح يحتاج إلى بذل جهود عميقة وأدوات أكثر تأثيراً من وسائل التواصل الاجتماعي، كالأسرة والمدرسة والجامعة والمؤسسة الدينية... إلخ. وتختتم بالقول: «عندما تترسخ فكرة تقبل الرأي والرأي الآخر واعتماد المرونة وحسن الظن بالآخرين في نفوس الأفراد من خلال هذه الأدوات، فستنعكس آثارها على وسائل التواصل الاجتماعي وحينئذٍ كثير من المعالجات لكثير من القضايا تُحل بسعة صدر ومرونة».
يتفق الخبير في علم الإحصاء، ربيع الهبر، مع الدكتورة أبو الخير لناحية عدم إسهام الـ«سوشيال ميديا» في نشر مفاهيم التسامح والأفكار الإيجابية واصفاً إياها بـ«مرآة تفاعلية للسجالات السياسية في المجتمعات». ويقول إن الآراء التي تحتضنها مواقع التواصل الاجتماعي، هي امتداد للصراعات والنزاعات والصدامات القائمة على أرض الواقع، وليست مهداً لها على الإطلاق.

لغة عدائية

ويشير الهبر إلى أن الـ«سوشيال ميديا» في أغلبية الأوقات «تستخدم لغة عدائية بعيدة عن مفاهيم التسامح المبني على قبول الآخر، وتزيد من قوة التخاطب العدائي وتضخمه، وذلك نتيجة سهولة استخدامها من قبل الجميع».
ويوضح أن سوء استخدام تلك المواقع يسهم في تسليط الضوء على ردود الأفعال السلبية، فينتفي هنا أي دور لها في رأب الشرخ الحاصل في المجتمعات. ويطالب الهبر مستخدمي الـ«سوشيال ميديا»، بالتوخي في طرح أفكارهم وقضاياهم، وعدم الاستدراج نحو رد فعل سلبي.  

أجواء من التشنج

صاحب حساب «شرطة المشاهير» على موقع انستجرام راغد قيس، يرى أن الـ«سوشيال ميديا» بمثابة سلاح ذي حدين، فهي من جهة تقرب الناس إلى بعضهم، وتسهل التواصل فيما بينهم، وتوصل الدول ببعضها البعض، وتتيح التعرف إلى ثقافات جديدة، وإنشاء صداقات عابرة للبحار، بحسب تجربته، لكنها من جهة أخرى تظهر، كما يشرح، مدى التعصب الموجود لدى بعض الأفراد، وغياب مفهوم التسامح والانفتاح عند بعض الفئات، مما يسهم في خلق أجواء من التشنج والحقد، تترجم أحياناً بعمل (بلوك) أو إلغاء متابعة الحساب المعني، وقد تنتقل أحياناً إلى أرض الواقع.
يضيف قيس: «يجتمع الناس حول القضايا الاجتماعية والإنسانية، ويتعاطفون معها أكثر من القضايا الأخرى التي تثير السجالات»، ويتابع: «ثمة أفراد أو جماعات في عالمنا الإسلامي غير منفتحين على الطوائف الأخرى، مثلاً عندما يحل موسم الأعياد لدى الطوائف المسيحية، نرى كمية مخيفة من التعليقات التي تهاجم وتكفر الآخر الذي ينشر معايدة ما أو صورة تدل على المناسبة». غير أن قيس لا يلقي اللوم على المعلقين المتعصبين لأنهم، في رأيه، هم أفراد يعيشون في بيئة منغلقة تمنعهم من الاطلاع على الأديان الأخرى، ويضيف قائلاً: «أحاول من خلال حسابي (شرطة المشاهير) أن أزرع فكرة التسامح والانفتاح على الآخر، وأسهم قدر الإمكان في التعريف بهذا الآخر. إن ممارسة التسامح لا تعني تخلي المرء عن معتقداته أو التهاون بشأنها، وإنما تعني تقبل هذا الآخر الذي لديه معتقداته الخاصة».

جائزة لتعزيز التسامح

أنشئت هذه الجائزة عام 1995 بمناسبة الاحتفال بسنة الأمم المتحدة للتسامح وبذكرى مرور 125 عاماً على ميلاد المهاتما غاندي، أحد أشهر القادة الذين اشتهروا بالنضال السلمي في مقاومة الظلم والاستعمار. وتهدف الجائزة، التي تحمل اسم المانح، وهو «مادانجيت سنغ» الذي كان سفير اليونسكو للنوايا الحسنة، وفنان وكاتب ودبلوماسي من الهند، إلى مكافأة وتكريم الأشخاص أو المؤسسات أو المنظمات الذين قدموا مبادرات متميزة في تعزيز التسامح واللا عنف. وتبلغ قيمة الجائزة 100 ألف دولار أميركي ويتم منحها مرة كل سنتين خلال احتفال رسمي بمناسبة اليوم العالمي للتسامح والذي يحتفل به في 16 نوفمبر من كل عام.

80 % ليونة

أظهرت نتائج الدراسة التي أعدتها جامعة «بايلور» الأميركية حول دور مواقع التواصل الاجتماعي في الترويج لقيم التسامح الديني، أن مستخدمي هذه الوسائل هم أكثر انفتاحاً وأكثر تقبلاً للمعتقدات الدينية المختلفة عن معتقداتهم. وبينت الدراسة التي أجريت عام 2016، أن نسبة من 50 إلى 80 % من المستخدمين تميل إلى إظهار ليونة في تقبل الممارسات الدينية المتنوعة.