واحدة من السلبيات التي كشفت عنها وسائل التواصل الاجتماعي، هي مشكلة التعامل مع اللغة العربية، حيث إن الكثيرين لا يفضلون الكتابة بها، بل يستخدمون لغات أخرى أبرزها اللغة الإنجليزية، وإن كانوا لا يتقنونها في أحيان كثيرة، بالإضافة إلى الكتابة بالعربية ولكن بأحرف وأرقام إنجليزية، وفي حين يفسر البعض بأن هذه التصرفات هي كنوع من البرستيج، يراها آخرون تدميراً للغة العربية.

«زهرة الخليج» قامت بجولة على صفحات المشاهير والفنانين على مختلف منصات وسائل التواصل الاجتماعي، لتكتشف ما يندى له الجبين، فقد سخر الكثير من المغردين من الفنانة أحلام عندما كتبت باللغة الفرنسية في نهائي كأس العالم الأخير، وطالبوها بعدم الكتابة باللغة الفرنسية من جديد، لأن تغريدتها تضمنت ثلاثة أخطاء، الأول في عبارة Un notre goal فالهدف في الفرنسية هو But، كما كتبت عبارة Un notre goal والجملة الصحيحة تُكتب Un autre goal، أما الخطأ الثالث، فكان في كتابة عبارة «رجاءً»، حيث كتبتها هكذا Celvoupler بينما هي تُكتب S’il vous plaît، وهي ليست المرة الأولى التي تخطئ فيها أحلام بالفرنسية، فقد سبق أن انتقدت عندما كتبت جملة Chapeaux Bas بأسلوب خاطئ أيضاً.

«العربيزي»

فنانو وفنانات لبنان، يعتمدون العربيزي (الكتابة بالعربية ولكن بحروف وأرقام لاتينية)، منهم نجوى كرم، نانسي عجرم، نادين نسيب نجيم، إليسا، ونوال الزغبي. ويقول الأديب والإعلامي اللبناني عبده وازن: «ظاهرة إقبال الأجيال الشابة والفتية على استخدام اللغة الإنجليزية، كلغة تعبير يومي لا سيما عبر الإنترنت وفيسبوك وتويتر، أجدها غير سليمة بتاتاً، إضافة طبعاً إلى إصرار الكثيرين على التحدث بالإنجليزية في لقاءاتهم وجلساتهم، فلغتنا جميلة وقادرة على التعبير الأدق لما نرغب في الحديث عنه». ويضيف وازن: «حتى إن استخدام هؤلاء للإنجليزية في وسائل التواصل الاجتماعي مليء بالأخطاء وغير سليم لغوياً ومليء بالركاكة، فهم لا يدققون في قواعد اللغة عندما يكتبون، بل يحاولون اختصار الكلمات والمفردات وتحويلها إلى شفرات أو أرقام، وكأن لا جَلَد لهم على استخدام اللغة استخداماً صحيحاً».

أخطاء شائعة

الفنانة غادة عبد الرازق تصر على الكتابة باللغة الإنجليزية، على الرغم من كثرة الأخطاء التي تقع فيها، فهي كتبت ذات مرة Wait and Place بدلاً من Black and White، وكتبت I came Pack بدلاً من Back وأيضاً Quince بدلاً من Queens، وكذلك وقعت الفنانة نيللي كريم في مأزق الأخطاء، عندما كتبت Science بدلاً من Scenes، كما وقع عدد كبير من الفنانين والفنانات في أخطاء لا حصر لها سواء باللغة الإنجليزية أم اللغة العربية، بالإضافة إلى الأخطاء اللغوية الشائعة التي لا حصر لها، مثل «إنشاء الله» بدلاً من «إن شاء الله».


آفاق لغوية

يؤكد وازن: «من الضروري أن نتعلم اللغات الأجنبية وأن نوسع آفاقنا اللغوية والثقافية، لا سيما في العصر الراهن عصر العولمة والمعلوماتية، ولكن في الوقت نفسه علينا ألا نهمل لغتنا الأم. الفرنسيون مثلاً لا يتحدثون بين بعضهم بالإنجليزية، وكذلك الأميركيون لا يتحدثون مثلاً بين بعضهم بالفرنسية أو الإسبانية.
الشعب يحافظ على لغته الأم، ويتقن سائر اللغات لأهداف ثقافية أو سياسية أو علمية. ويقول بعض المتهورين العرب إن اللغة العربية ليست لغة عصرية، بمعنى أنها لا تستوعب المفردات العلمية والتقنية الحديثة التي تفرضها التطورات الجديدة في العالم، وقد فات هؤلاء أن في إمكان العرب أن يطوروا لغتهم ويحدثوها لأنها لغة الحياة، وهذا ما يفعله الكوريون مثلاً والصينيون واليابانيون وسواهم مع الحفاظ على لغتهم الأم،
لغتنا سليمة ورائعة وقادرة على التطور ومواكبة العصر، لكننا نحن من يسيء استخدامها أو يسيء إليها».

اللغة مرآة

بدوره علق رئيس تحرير مجلة الشارقة الثقافية، نواف يونس، بالقول: «ليس عيباً أن يتحدث الإنسان بلغة أخرى غير لغته الأم، بل هو مظهر من مظاهر التثاقف مع الآخر، ولدينا أمثلة على ذلك؛ منها: عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، الذي كان يتحدث ويكتب باللغتين العربية والفرنسية وبطلاقة تامة. وكذلك محمود المسعودي في تونس، وهو من كان أستاذاً في اللغتين، إلا أنه توهج وتألق فكرياً وأدبياً بلغته الأم. إذ إن ازدواج اللغة يستحسن في حالة إثراء البعد المعرفي والثقافي والحضاري للإنسان»، وأضاف يونس: «لكن الإشكالية تكمن في انصراف البعض إلى التخلي عن لغته الأم، وهو بذلك يتخلى عن قيم مجتمعه وعاداته وسلوكه، مما يؤثر في شخصيته وهويته، لأن تبني قيماً غريبة عن المجتمع الذي يعيش فيه المرء، لا بد أن يؤثر في أصالة هذا الإنسان وثوابت هويته، سواء كان عربياً أم ألمانياً أم فرنسياً أم إنجليزياً، حيث إن اللغة الأم لأي مجتمع من المجتمعات أو الأمم أو الشعوب، هي المدماك الحقيقي للنهضة والتطور والتقدم علمياً واجتماعياً وثقافياً، لأن المجتمع لا يتطور بلغة أخرى غير اللغة الأم، خصوصاً إذا كانت هذه اللغة الأم لديها القدرة، على الإبداع في شتى مجالات الحياة، كما أنها مرآة لشخصية المرء وانعكاس لطريقة تفكيره وسلوكه الاجتماعي والإنساني».