هل نكره الفرح؟ سؤال سيكون عجيباً، ولكن لنتأمل أهم صيغة نتداولها في المعايدات، حيث يكثر الرجوع للموروث لتوظيف عبارة من مخزونه تنوب عنا في التعبير عن المناسبة. ومن اللافت أن الجملة الأكثر شيوعاً هي شطر بيت للمتنبي: (عيد بأية حال عدتَ يا عيد).
وهو من قصيدة هجائية غاضبة للمتنبي بسبب رد فعل خاص به وبظرفه، ولكن مخزون الذاكرة حرك هذا الشطر، وشارك في تعميمه وتثبيته بالتدافع الجمعي لعموم الناس، حتى أصبح وكأنه أحد تقاليد العيد وأحد موجبات لغة التبادل، بالتباكي بدلاً من التهاني.
والطريف أن للمتنبي شطراً شعرياً آخر تتجلى فيه معاني الفرحة والتهنئة بأعلى صورها، وهو: (هنيئاً لك العيد الذي أنت عيده).
ولكن الذاكرة الموشومة تتجنب هذا الشطر وتكتمه لكي تثبت الآخر. وبذا تتحول ذاكرة العيد إلى مناحة ذاتية تتبرم وتتشكى، في حين أن اللحظة لحظة فرح، واسمها اللغوي والاجتماعي: عيد. ولكي نسلب من العيد عيديته، نتساءل مع المتنبي عن عيدية هذا العيد لنقول إن العيد ليس عيداً.
هنا تتكشف الروح السلبية التي تستطيع المخزونات الثقافية أن تظل تعززها حتى تصبح لازمة تلفظية، كلما تداعت لها أسباب الاستشهاد وليست أسباب الحال الواقعية والرمزية. تلك صورة من صور مخاطر ذاكرة الحفظ، وذاكرة التقاليد الثقافية التي ترسم لغة اللسان ولغة العلاقات العامة، في عمى تام عن النزعة الناقدة لما نرثه ونعمى عن التساؤل عنه.