بعد أن أحدثت شبكة الإنترنت فيما سبق ثورة في عالم التكنولوجيا، يبدو أنها صارت اليوم محط اتهامات خبراء النفس والباحثين،
 باعتبار أن إدمان الناس عليها يؤدي إلى انسحابهم من المجتمع وبناء جدار من العزلة، لمصلحة عالم افتراضي غير صحي لهم ولمن حولهم. «زهرة الخليج» سألت من لهم تجارب في هذا المضمار.

«متحفزة للتهجم على الإنترنت ومن ابتكرها»، بهذه العبارة أجابتنا ربة البيت سعاد البكري، لدى سؤالنا عن تأثير الشبكة العنكبوتية على أسرتها، مضيفة: «كما يقول المثل، قلبي من الحامض لاوي، فأنا أعاني بشدة من هذا الأمر، فزوجي مدمن إنترنت بشدة، إلى حد التقوقع والابتعاد عن الواقع، إذ يصل إلى البيت بعد العمل، لا يعيرني لا أنا ولا ابنته الوحيدة أي اهتمام، بالكاد يلقي التحية وينصرف إلى مقعده في غرفة الجلوس، ليعيش بقية النهار وحتى ساعات الفجر حياته في عالم آخر». وتعقب: «حتى إنه يتناول عشاءه وهو «أون لاين»، ومنذ فترة طويلة لم نزر أحداً ولا أحد يزورنا، هكذا ببساطة فصَلنا عن العالم وفصَل نفسه عنا. فهل هناك انعزال أكثر من هذا؟».

أوقات مناسبة

لا ينكر مدرب الرياضة زاهر المحمودي، أن الإنترنت عالمه وحياته، ولكنه في الوقت عينه يرفض أن يتهمه أحد «بالانعزالي». يقول: «أقضي يومياً أكثر من خمس ساعات على الإنترنت، أجول فيها في معلومات مفيدة، وأتواصل من خلالها مع الأصحاب والأهل، ولم أشعر يوماً بأنها تبعدني عن المجتمع الحقيقي، ويُشهَد لي بأني «اجتماعي» إلى حد كبير». ويبين المحمودي قائلاً: «قد يكون هناك من استقال من الحياة الاجتماعية وانصرف إلى العالم الافتراضي الذي توفره الإنترنت، لكنني ما زلت حاضراً في كل مناسبة أدعى إليها، وواجباتي مع المعارف لم تخفّ يوماً، كما أنني على عكس غيري، أحسن استخدام هذه الوسيلة وفي الأوقات المناسبة».

واحدة من القطيع

بدورها، تقول ربة البيت راية يعقوب: «على الرغم من معرفتي أن الزمن تطور، وصارت التكنولوجيا تتحكم بمشاعرنا وإنسانيتنا، ورفضي الداخلي لما أراه من حال زوجي وأولادي، لانشغالهم بهواتفهم طيلة الوقت، إلا أنني أشعر بأنني صرت واحدة من القطيع، حيث تعبت من التنبيه والصراخ على زوجي وأولادي جراء انشغالهم لأكثر من 16 ساعة يومياً بأجهزتهم المحمولة، وصرت أقضي وقت فراغي أنا أيضاً على شبكة الإنترنت». تضيف يعقوب: «لا أعلم، إن كان ذلك يعدّ عزلة اجتماعية، لكن ليس لدينا علاقات اجتماعية مع أحد، لذا كعائلة، بعد انتهاء وقت العمل والدراسة، ليس لدينا سوى شبكة الإنترنت متنفساً لنا».

تأثير نفسي وبدني

من جهته، يجد مستشار الإعلام الصحي ومقدم برنامج «بلسم» على إذاعة «نور دبي»، الدكتور بسام درويش، في الإنترنت سلاحاً ذا حدّين، مضيفاً: «بعد انتشار مواقع وسائل «التواصل الاجتماعي» المختلفة، التي باتت تستهلك وقت الناس، وتؤثر مباشرة في علاقاتهم فيما بينهم بشكل سلبي، حتى صار شائعاً أن نرى مجموعة من الأفراد جالسين مع بعضهم البعض، إلا أن كل فرد مأخوذ بعالمه على الإنترنت، مما يعني انعدام التواصل فيما بينهم، وبالتالي يشكلون عزلة اجتماعية حقيقية». ويكمل: «إضافة إلى العزلة الاجتماعية التي تحدثنا عنها، هناك تأثير للإنترنت في الصحة النفسية والبدنية، أي أن المدمنين عليها يعانون اضطرابات نفسية وجسدية، وهذه الحالة تشمل الأعمار كافة، ولم تعد محصورة بالمراهقين والشباب فحسب، بل تنسحب على الناضجين والمتقدمين في العمر».

انسحاب اجتماعي

تشير رئيسة قسم العلوم الإنسانية والاجتماعية في جامعة العين للعلوم والتكنولوجيا، الدكتورة بيهان قيمري، إلى أن: «الإدمان على الإنترنت والإفراط في استخدامها، بما يعادل من 10 إلى 14 ساعة يومياً، يؤدي إلى نقص في النضج النفسي والاجتماعي». تضيف قيمري: «مدمن الإنترنت، ينسحب من المجتمع لافتقاده مهارات «التواصل الاجتماعي»، بحيث يكون من الصعب عليه تكوين علاقات اجتماعية مع آخرين على أرض الواقع أو في العالم الحقيقي. باختصار، هذا الشخص ينتهي إلى عزلة اجتماعية». وتتطرق قيمري إلى أنماط الشخصية التي تدمن الإنترنت، فتلفت مختتمة: «في الأغلب تعاني هذه الشخصية الاكتئاب والتوتر والملل، وتحسب أن الإنترنت وسيلتها للتفريغ النفسي وإشباع حاجاتها ومتطلباتها».

الشعور بالوحدة

توصلت دراسة قام بها علماء نفس من جامعة بيتسبرغ الأميركية العام الماضي، إلى أن قضاء فترات طويلة في تصفح مواقع «التواصل الاجتماعي» يؤدي إلى الشعور أكثر بالوحدة، على عكس ما يُفترض أن يحدث، حيث إن هدف هذه المواقع تقوية العلاقات الإنسانية الاجتماعية وتكوين صداقات جديدة. وخلص الباحثون إلى أنهم لم يحددوا بعد، ما الذي يأتي أولاً، استخدام وسائل «التواصل الاجتماعي»، أم العزلة الاجتماعية؟ وأشاروا إلى أنه من المحتمل أن يلجأ الشباب الذين يشعرون بالوحدة في المقام الأول إلى مواقع التواصل عبر الإنترنت، أو ربما يكون استخدامهم المفرط لها أدى إلى شعورهم بالانعزال عن العالم الحقيقي، وربما يكون مزيجاً بين الاثنين. ووجد الباحثون أن المشاركين في الدراسة الذين استخدموا مواقع «التواصل الاجتماعي» أكثر من ساعتين يومياً، أكثر عرضة مرتين للإصابة بالعزلة الاجتماعية، مقارنة بأقرانهم الذين قضوا أقل من نصف ساعة يومياً، وشملت الدراسة 1787 بالغاً تتراوح أعمارهم بين 19 و32 عاماً، وطلبوا منهم الإجابة عن أسئلة استطلاع رأي لتحديد معدل استخدامهم مواقع «التواصل الاجتماعي»، وتم قياس عزلتهم الاجتماعية باستخدام أداة تقييم.