ذات يوم قال ألبرت آينشتاين: «لا أعلم بأي سلاح سيحاربون في الحرب العالمية الثالثة، لكنّ سلاح الحرب العالمية الرابعة سيكون العصيّ والحجارة».
نحن الأجيال التي وُلدت بعد زمنٍ طويل من الحربين العالميّتين، نشعر بالإثارة كلما اطّلعنا على أخبارٍ أو تنبؤاتٍ تشير إلى احتمال وقوع حرب عالمية جديدة، ربما لفرط ما قرأناه وشاهدناه من كتبٍ وأفلامٍ ومسلسلات عن الحربين الأولى والثانية، حتى صارتا أشبه بخرافةٍ أو أسطورةٍ لا تتكرر.
أذكر أنني بعد مشاهدة فيلم Olympus Has Fallen الذي يصوّر اجتياح جيش كوريا الشمالية لواشنطن واحتلال البيت الأبيض، همست لصديقي بنبرة المحنّك السياسي: «أظن أن ما حدث في الفيلم سيحدث قريباً في الواقع، وهم يهيئوننا لذلك!» ودعمت نظريتي بأجواء التوتر السائد بين الدولتين آنذاك، واستشهدت بالأفلام التي تنبّأت مسبقاً بأحداث الحادي عشر من سبتمبر، وما هي إلا بضع سنوات حتى وجدت الرئيسين الأميركي والكوري الشمالي يتصافحان مبتسمين في لقاء تاريخي لحلّ مشاكلهما، فأدركت حينها أن عليّ ترك السياسة والتركيز على الأفلام.

قصة غواصة حربية

يتناول فيلم Hunter Killer قصة غواصة أميركية حربية، تخرج للتقصي عن حادثة اختفاء غواصة أخرى في عمق المحيط بعد اشتباكها مع الروس، لتكشف الأحداث عن وجود مؤامرة، قد تؤدي إلى نشوب حرب بين البلدين، فتضطر الحكومة الأميركية إلى تكليف غواصة Hunter Killer بمهمة اقتحام المياه الروسية ومحاولة تحرير الرئيس الروسي من أيدي الانقلابيين الذين يحتجزونه، وتجري العملية بالتعاون مع فريق عسكري يتحرك على الأرض.
ما يميّز هذا الفيلم هو أنه يصوّر على مهل أجواء التوتر التي تسبق أي حربٍ عظمى، إذ يبدأ كل شيء بحادثةٍ غامضة في أعماق المحيط، وتتطور الأمور شيئاً فشيئاً مثل كرة ثلجٍ تتضخم أثناء تدحرجها، إلى أن نشعر بأننا على شفير الهاوية. لا شيء أكثر إثارةً من الحرب إلا الترقّب الذي يسبقها، ولذلك كان التشويق هو العنصر السائد في الفيلم، بالإضافة إلى تخمين المشاهدين لما قد يحدث في حال اشتعلت الحرب بين هاتين الدولتين، ولنتذكّر هنا ما قاله الرئيس الروسي بوتين، حين سُئل عن توقعاته لنتيجة حرب كهذه: «أعتقد أن لا أحد سيبقى على قيد الحياة».

تمثيل مصطنع

ما يعيب الفيلم، هو التمثيل الذي يبدو مصطنعاً في كثير من الأحيان - خصوصاً من أصحاب الأدوار الثانوية - والجدية المتكلفة المصطبغة بروح الحلم الأميركي، وإن كانت أخفّ بكثير من أفلام أخرى مثل Olympus Has Fallen وBattleship اللذين سببا لي الغثيان. كما أن التعاون الأميركي الروسي في الفيلم يبدو مثالياً وأخوياً أكثر من اللازم، ويمكن القول إن Hunter Killer متفوق في أحداث الأكشن والتشويق، لكن التمثيل غير المقنع أضرّ نوعاً ما بواقعية العمل وتقبّل الـمُشاهد له، وكما يقول أوسكار وايلد: «مشاهدة التمثيل الزائف تُفسد الأخلاق».
لاحظت أن الممثل جيرارد بتلر يظهر بشكل متكرر في الأفلام ذات الطابع الوطني، والتي يلعب فيها دور المنقذ للأمة، بدايةً من فيلم Olympus Has Fallen ثم London Has Fallen وأخيراً Hunter Killer، ويبدو أنه ما زال يحنّ إلى شخصية القائد الإسبارطيّ الخالدة في فيلم 300. أما المفاجأة في فيلم Hunter Killer فكانت في ظهور المخضرم غاري أولدمان، الحاصل على أوسكار أفضل ممثل في العام الفائت، وأرى أن مثل هذه الأعمال أقل من مستواه، وأرجو ألا يتمادى كثيراً في المشاركة في الأفلام التجارية.
ختاماً فإن فيلم Hunter Killer جيد وممتع، لكن لا يمكنني وصفه بالرائع، ولن يفوتك الكثير إن لم تشاهده، وتقييمي الشخصي له هو 6.3/10.