لا أحد أبدى فضلاً إلى الجوع، بينما هناك الكثير من المقولات التي تبين فداحته وأذاه وتأثيره السلبي في المجتمع والإنسان، وربما تكون مقولة: «صوموا تصحوا» التي سمعناها منذ الصغر على أنها حديث شريف، تَبيّن في السنوات الأخيرة أنها ليست حديثاً، ولكن مقولة: «لو كان الفقر رجلاً لقتلته»، وهناك من قال إنها «لو كان الجوع رجلاً لقتلته»، هي من الموروث العربي، وتنسب لأحد الصحابة رضوان الله عليهم.
وهناك جوعان، أحدهما مفروض على الإنسان لا مبرر له، وهو الجوع الذي يعقب الكوارث والمجاعات والحروب، وهو لا سبيل لنا للحوار معه، أما الجوع الآخر، فهو المعلّم الذي نريده، وهو الجوع الاختياري، وهو جوع المريض الممنوع من أنواع كثيرة من الأكل، وربما ممنوع من الأكل أيضاً، وجوع الصوم، وهذا كان من المفترض أن يكون معلّماً، ولكن ما يحدث من مجازر أكل على الإفطار، نفى صفة التعليم عنه، وهناك جوع الريجيم، وهذا هو الذي يمكن الاستفادة منه كمعلّم.
قررت في الفترة الأخيرة التخلص من بضعة كيلو جرامات، فقررت ريجيماً يعتمد على الجوع، أن آكل ما يحلو لي من الطعام ولكن بنسبة قليلة جداً، أي أن أجلس على المائدة جائعاً، وأقوم منها جائعاً أيضاً، وهي طريقة اعتمدتها كلما أردت التخلص من بعض الوزن الزائد. ووُجد بعد ذلك قول: «نحن قوم لا نأكل حتى نجوع، وإذا أكلنا لا نشبع»، وكانت روايته كحديث، إلى أن قرأنا أنه لا يصح نسبه للرسول (صلى الله عليه وسلم)، حيث إن من رواه برهان الدين الحلبي في السيرة الحلبية، وكبار العلماء كابن باز وغيره أبعدوه عن الحديث.
فالدرس الأول الذي تعلمته من الجوع هو ما كنت أظنه حديثاً، ولم يصح بعد ذلك، أما الدرس الثاني فهو أن الإنسان يجب ألا يتبع غرائزه، ومنها غريزة الأكل، فيجب أن يكون العقل هو القائد الحقيقي للإنسان، فالكثير من الناس يعلمون بأهمية العقل في القيادة، وخاصة إذا تم تزويده بالثقافة والقراءة والعلم، سيكون نعم القائد للجسم، أما من لم يزوده بشيء من العلم، فقد تكون غرائزه أكثر نفعاً له، وهؤلاء من يضيعهم تفكيرهم، فهناك من يخطئ إذا فكر، والأفضل له أن يسمع للآخرين ولا يفكر. فلا يجب على الإنسان أن يتبع غريزة الأكل من دون موافقة العقل عليها، وإن أشعرتك الغرائز برغبتها وبألمها أحياناً. فكأنما الجوع هو اختبار، والعقل هو المنوط به لحله وليست الغريزة.


شعر

ألفُ غِيبي                                                      ألفُ صدِّي

والعني خارطةَ الشعرِ وطيبي                        أنتِ والعمرُ وأفكاركِ ضدِّي

لا تقولي بعد هذا اليوم ما زلت حبيبي          وأنا ما عدتُ نداً للتحدي

ألفُ خافي                                                      ألفُ ضيعي

ما أذلَّ الحبَّ فيما بيننا إلا اعترافي              فغداً يختارك الصيفُ مقاماً

حين أكثرتُ في بابك سردي وطوافي            حين أختار ربيعي