ثم ماذا لو قلنا إن المستبدين يحبون أيضاً؟ سيبدو الكلام غريباً؟ أليس الإنسان محمولاً ثقافياً وحياتياً؟ يوجد فيه الطفل العفوي، كما يوجد الكائن المدمر معاً؟ وإلا كيف يمكن لدكتاتور مثل هتلر أن يحب الموسيقى، والباليه، والفنون التشكيلية، وأن تكون له حبيبة؟ كيف يمكن لرجل تعوّد على ضجيج الحروب، أي الإفناء والموت والآلام والجراح، أن يكون عاشقاً، أي مؤمناً بالحياة؟ نحتاج إلى كثير من التأمل لنصل إلى القناعة بأنه داخل كل طاغية، كيفما كان، يوجد شيء من الحب، شيء يخرج عن الصورة التي يبعثها للناس، والتي تتحكم في التعريف والتقييم، وتسهم الأجهزة في ترسيخها وتسويقها للترهيب والتخويف. أعتقد أنه في أعماق أي دكتاتور زاوية لم تلطخ، وإلا لن يكون إلا وحشاً كلياً؟ أتذكر أنه أثناء عرض فيلم السقوط، الذي يتناول اللحظات الأخيرة من حياة هتلر، الذي حاولت المجموعات اليهودية واللوبي الصهيوني منع عرضه، خوف التعاطف معه؛ لأنه قطع مع الصورة التقليدية لهتلر. تعاطف من يكتشف الزاوية الإنسانية في أعماق الإنسان. الفيلم شاهد حي على اللحظات الأخيرة التي سبقت موته، عندما غاب في عمق المخبأ وطلب أن تُحرق جثته، بعد أن وصله خبر سقوط برلين بشكل شبه كلي. في تلك اللحظة تختار حبيبته إيفا براون، التي أصبحت زوجته قبل انتحاره بقليل، أن تموت معه. يحاول عبثاً إقناعها بأن لها الحق في الحياة، وهي غير مطلوبة، لكنها فضلت أن تموت معه، وهو ما حدث بالفعل.
قصتهما العاطفية مليئة بالهزات. التقته أول مرة في ميونيخ، وكانت تعمل مساعدة للمصور النازي هنريك هوفمان، تعرفت إلى هتلر عندما زار ورشة هذا الأخير، وكلف مارتن بورمان بالبحث عن تفاصيل العائلة، ليأتيه بعدها بالتقرير أنها من جنس آري. أول شيء قام به، دعاها للأوبرا. كان عمرها 17 عاماً عندما وقعت تحت سلطته العاطفية، كان عمره 40 عاماً. أبوها لم يكن مع الفكر النازي، وكان يعتبره مجرد صائع نمساوي. بعد 1932 تعمقت علاقته بها، لكنه ظل يرفض الزواج. كان يلتقيها عند هنريك هوفمان، لكنه لم يوقف علاقته بالممثلة رينات مولير التي توفيت في 1937 في ظروف مبهمة. هذه العلاقة أدت بإيفا براون إلى محاولة الانتحار العديد من المرات في 1932 و1935 بسبب الغيرة. قاد بعدها إيفا براون إلى فيلا فاسيربورجيستراس، التي كانت تسميها إيفا الغراند هوتيل، في ضواحي ميونيخ. كانت شديدة الخجل، وتحب التصوير كثيراً. دعاها بعدها لحضور مؤتمر حزبه في نرونبرغ في 30 سبتمبر 1935. وهناك التقت كريمات المجتمع النازي. كيف يمكن لطاغية مثل هتلر ليس فقط أن يحب، ولكنه ينتصر لحبيبته. بعض الباحثين بحثوا كثيراً في الحياة السرية لهتلر، من بينها العجز الجنسي، إذ لم تذهب النساء اللواتي عرفهن إلى أبعد من اللمس والمداعبة. لكن يُظن أنها مجرد رؤى أيديولوجية للنيل منه. من الصعب التصديق أن إيفا براون، وهي الشابة والحية جسدياً والجميلة، والمقبلة على الحياة، أن تقبل برجل في هذه الحالة الصحية، وكانت امرأة حرة، لا تفكر إلا في ملذات الحياة، الجنس، التدخين، الكهول. بينما هتلر لا يدخن ولا يشرب. كانت جزأه الآخر، الملتصق به والذي لا يكتمل إلا من خلاله. عندما بدأت الهزيمة تتأكد، التحقت به في مخبئه في برلين المحاصرة، هناك تزوجا في 29 إبريل 1945. قال: بعدما فكرت على مدار سنوات عديدة من النضال بأني لا أستطيع تحمل مسؤولية الزوجية، أنا الآن جاهز لذلك في قدري الأرضي، جاءت بمحض إرادتها إلى العاصمة المحاصرة لتقاسمني قدرها. وقبل انتحارهما بيوم، طلبت من كل العمال في المخبأ مناداتها السيدة هتلر. اختارت أن تموت برفقته يوم 30 إبريل في برلين 1945، في الفوهرر بونكر. يقال إن هتلر بعد أن شرب سيانور، أطلق النار على رأسه، بينما شربت إيفا مادة سيانهيدريك. وُجدا محروقين في البونكر، يمكننا أن نتخيلهما مجمدين على رماد الفراش، اليد في اليد، والرأس قرب الرأس. الدكتاتور يحب أيضاً.