في المكتبات العامة البريطانية ظهر قسم جديد باسم التفكير الذكي (Smart thinking) بمجاورة قسم الفلسفة وكتب النظرية النقدية ويكون في صدر المبيعات، وهو تصنيف جديد لنوع من الكتب ليست بعيدة عن الفلسفة وتتلامس مع النظرية النقدية، ولكنها تحمل نوعاً حديثاً من الخطاب النقدي الفلسفي، تقوم على نقد المؤسسة بكل فروعها، الثقافي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي، وتعري كل أنواع الهيمنة عبر قراءة الخطاب الحي في المواقع كلها القيادي والشعبي، وهي كتب لجيل من المؤلفين يصدرون عن حس إنساني اشتراكي وديموقراطي، يقفون في صف قضايا تتعرض لمخاطر الهيمنة الاقتصادية والسياسات المنبثقة عنها حتى لتدمر كل القيم الأساسية لبناء مجتمعات سوية، مثل قيم الحرية والمساواة والعدالة والتعددية، وتنهج لهذا خطاباً ثقافياً عصرياً يقوم على حس نقدي مضاد ومواجه، وتظهر فيه أسماء مثل ويلسون وجونز وبول وأندرسون وريتزر (انظر كتبهم في مراجع كتابي الليبرالية الجديدة)، وهو قسم غيّر خارطتي التقليدية التي تعودت عليها على مدى سنوات، حيث تتجه خطاي الأولى في كل مكتبة إلى قسم النظرية النقدية ثم إلى الفلسفة، وكنت أشعر بالتجدد مع النظرية النقدية، ولكني كنت أحس بأنني دقة قديمة كلما التفتّ نحو الفلسفة، حيث لا أجد جديداً، ولكن الصور والأسماء هي لكتب قرأتها من سنوات، وبدت الفلسفة وكأنها خبر قديم يعاد بثه على الشاشة، وقد سبق لجوناثان كولر ثم ريشارد رورتي أن صرّحا بموت الفلسفة وحلول النظرية النقدية محلها، واليوم تزداد الحاجة لخطاب متجدد يعيش ظرف المرحلة بالمتغيرات الضخمة التي تحتاج إلى تفكير ذكي يجاري حجم الحدث، وجاء مؤلفون تتابعت كتبهم حتى غيرت صيغة رفوف المكتبات وسحبت عيون المشترين، وكم كانت دهشتي حين شاهدت اللوحة لأول مرة قبل سنوات وهي تحمل المصطلح الجديد وكأني كنت أنتظر شيئاً من هذه التسميات لتعيد إنتاج الدهشة العلمية والحيوية المعرفية، وهنا تصاحبت مع هذا القسم ابتداء، وإذا فرغت منه محملاً بما استجد التفتّ إلى رفوف النظرية النقدية ولي معها صحبة متأصلة، ثم إلى الفلسفة كمن يلقي التحية على جدته من باب الوفاء.