بلمسة وفاء ليست جديدة عليه، يقدم الباحث الأكاديمي والشاعر الإماراتي سلطان العميمي، ديواناً شعرياً اختار له اسم «خجل الحرير»، يجمع القصائد النحوية القريبة من الفصحى، للشاعر الراحل راشد الخضر الذي ولد في عجمان عام 1905 وتوفي فيها في أكتوبر 1980، والكتاب واحد من سلسلة توثيقية تضم خمسة أجزاء، استبقها العميمي بجزء أول قبل أعوام، وسيلحقها ببقية الأجزاء تباعاً.

لم يكتفِ العميمي بالبحث عن مخطوطات وقصائد الراحل راشد الخضر، بل يستعد أيضاً لتوثيق حياته الشخصية وكتابة سيرته الذاتية، كما يؤكد في حواره مع «زهرة الخليج» التي يخصها بغلاف الديوان الجديد وعليه صورة لم تنشر مسبقاً للشاعر الراحل، ونسأله.

أعلنت عن إصدار مجموعة دواوين جديدة عن الشاعر الإماراتي الراحل راشد الخضر، فما سبب اختيارك لهذه القامة الشعرية، وفي هذا التوقيت بالتحديد؟
الموعد يأتي تزامناً مع ذكرى وفاته، وسبق لي أن أصدرت ديوانه النبطي أيضاً في نفس المناسبة عام 2004، وهذا هو الديوان الثاني الذي أصدره عن الشاعر راشد الخضر، الذي أهتم شخصياً بتجربته عموماً، وليس فقط في الشعر النبطي، وهو من ضمن خمسة أجزاء، حيث سيكون الجزء الثالث عبارة عن دراسة نقدية لشعره وأدبه، وأسرد في الجزء الرابع سيرته الشخصية بشكل مختلف عن كافة السير التي كُتبت عنه، والجزء الخامس سيكون مفاجأة في محتواه، أما الديوان الذي نحن بصدده، فهو يضم قصائده النحوية، وأطلقت عليه عنوان «خجل الحرير»، كونه مصطلحاً شعرياً درج الخضر على استخدامه في قصائده، وأنا أفضّل استخدام عبارات من أشعاره كعناوين لدواوينه، كي يتميز بها.

«سيد الشعرا»

لماذا ينادى راشد الخضر بهذا الاسم، علماً بأن اسمه الحقيقي هو راشد بن سالم السويدي؟
هو لقب كان لأبيه و"الخَضَر" باللهجة البدوية معناه (صاحب البشرة السمراء)، ولكن الاسم ارتبط به، وصار يعرف لاحقاً براشد الخضر.

عاش الخضر ما بين (1905 – 1980)، ما الذي تميزت به هذه الحقبة من الشعر الإماراتي، وانعكس بالتالي على تجربة راشد الخضر؟
هذه الفترة كانت من أخصب المراحل التي مرت على تاريخ الشعر النبطي في الإمارات؛ لأن ما وصلنا من نتاج الشعر في القرن الماضي كان خصباً، إضافة إلى أن راشد الخضر يمثل فترة انتقالية في الشعر النبطي، على صعيد التجديد في المفردة، وعلى صعيد الصياغات والابتكارات الشعرية لديه، وكذلك تجربته في الشعر النحوي تجربة ثرية جداً، وتستحق أن نلتفت إليها لأكثر من سبب؛ لأنها تمثل أولاً أسلوباً أدبياً وشعرياً متعارف عليه، وإن لم ينظم عليه الكثير من الشعراء، والسبب الثاني أنه وثّق لأحداث كثيرة في المنطقة، ولمناسبات مختلفة وشخصيات عديدة، سواء تلك التي مُدحت أو انتُقدت من خلال القصائد.

بماذا تميز راشد الخضر عن باقي شعراء تلك الحقبة؟
بلا شك، لديه موهبة شعرية غير عادية، عدا عن كونه ثقف نفسه ذاتياً، ولم يكتفِ بالتعليم التقليدي في "الكتاتيب"، بل كان يبحث عن المصادر التي تغذي ثقافته الأدبية والشخصية، فكان قارئاً للشعر ومستمعاً جيداً للراديو، بدليل أن قصائده كانت مطعمة بمعلومات لم يعرفها أهل المنطقة إلا من خلال الراديو في تلك الفترة، كما وثّق أيضاً قصائده بخط يده، فلا تجد أي بيت من أبيات قصائده المختلفة، إلا وفيه بصمة خاصة ومختلفة، ولهذا بمجرد أن تقرأ أي قصيدة له، تعرف بأن من كتبها راشد الخضر.

قصيدة «سيد الشعرا» واحدة من أشهر قصائد الخضر، ويظهر تأثره فيها بالمتنبي، فإلى أي حد هذا التأثر دقيق برأيك؟
بكل تأكيد تأثر الخضر بتجربة المتنبي، وهذا واضح من خلال الاعتداد بذاته الشاعرة، وهذه القصيدة قالها في البحرين عندما كان يعيش هناك مطلع حياته، وسببت له إشكاليات عديدة مع غيره من الشعراء، لدرجة أن أحد شعراء أم القيوين رد عليه محتجاً ومعترضاً على إطلاق هذا اللقب على نفسه، ويقال إن راشد الخضر تراجع عن جزء من القصيدة وقام بتغييره، وهو لم يتأثر بالمتنبي وحسب، بل تأثر بعدد من الشعراء، وهذا واضح في شعره النحوي على وجه الخصوص.

متحف الخضر

تقوم بجهد كبير في جمع قصائد راشد الخضر وسيرته الذاتية، ما صعوبة هذا الأمر؟ وما أبرز المتاعب التي واجهتها؟
الأمر صعب حقيقة، فقط المخطوطات التي جمعتها لقصائد الخضر، يتجاوز عددها الـ 18 مخطوطة، وهي التي تضم قصائده النبطية، والمتعب أكثر هي المقارنة بين قصائده، لأنك تجد نفس القصيدة في مخطوطتين مختلفتين، وبالتالي الإشكالية كانت في الحصول على نص برواية ثابتة، لكنني اتبعت منهجاً أكاديمياً، وذلك باعتماد نص واحد من بين كل النصوص المتشابهة، وهو النص الذي أراه من وجهة نظري الأقرب إلى الدقة والوضوح، من حيث التعابير والصور الشعرية، الأمر كان متعباً، ولكن تجربة راشد الخضر تستحق كل هذا العناء، وعلى فكرة أنا حتى يومنا هذا أجد قصائد لم تنشر له، وسأعيد قريباً نشر ديوان قصائده النبطية «سفرجل» بطبعة ثالثة تضم ثماني قصائد لم تنشر من قبل.

تخص "زهرة الخليج" بصورة غلاف الديوان الجديد وفيه صورة نادرة للخضر، فهل ما زلت تبحث عن أشياء جديدة عنه من صور ومخطوطات وقصائد؟
بالتأكيد، أواصل البحث وكلي أمل أن أجد المزيد عنه، وخاصة في موضوع الصور، فهو له صورتان فقط، وأنا وجدت له صورتين جديدتين، إحداهما التي تتصدر غلاف هذا الديوان. وعام 2004 عثرت على تسجيل صوتي بصوته، وقد نشرته في وسائل التواصل الاجتماعي في وقت سابق، كما أنني وصلت إلى بيته في إمارة عجمان، وللأسف هذا البيت آيل للسقوط، وقد نشرت نداءً في حسابي على "تويتر" مع صور البيت المتهالك، بهدف ترميمه وتحويله إلى متحف يضم متعلقات الخضر الشخصية وصوره ومخطوطاته، وهذا النداء مر عليه أكثر من عام، ولكن لم يحدث أي شيء للأسف.

وما هو موقف عائلته؟
هو لم يتزوج ولم ينجب أبناء، وبالتالي انقطعت سلالته، لديه أبناء عم يحفظون أغلب أغراضه ومخطوطاته، وعلى سبيل المثال، ما زال الموقد الخاص الذي كان يطبخ عليه موجوداً عند أقاربه.

كل هذه التفاصيل واطلاعك على سيرته الذاتية، هل يحمسك لتقديم هذه الشخصية في مسلسل تلفزيوني؟
سيرته ثرية وخصبة، وعاش حياته متنقلاً في أكثر من مكان، واتصل بالحكام والشيوخ ومدحهم بقصائده، تماماً كالمتنبي، وكذلك هو لم يتزوج، وأعتقد أن تقديم سيرته الذاتية في مسلسل سيكون فيه الكثير من الإثارة.

ختاماً، ما الذي تقوله عن هذا الديوان؟
«خجل الحرير» يمثل تجربة مختلفة للخضر في شعره النحوي وليس الفصيح، وهو يؤرخ للون شعري كان سائداً في ذاك الوقت، ومرحلة هامة من تاريخ الإمارات، ولا يمكن أن نقرأ تجربة راشد الخضر بمعزل عن قصائده النحوية؛ لأنها مهمة، وبها مواضيع لن يتوقع القارئ بأن هناك قصائد قد تناولتها.