يستوقفنا الزي التقليدي الذي يميز رجال إسكتلندا. ونتعجب لرؤيتهم ملفعين بالتنانير المسماة «كيلت» kilt، المخيطة بقماش صوفي سميك «محقق» بمربعات وألوان مختلفة. فهم يحرصون عليه، لا سيما في المناسبات المحلية والإقليمية، وحتى في الخارج حين يشاركون في تظاهرات ثقافية وفنية. ولا يندر أن يتندر عليهم «الجيران» الإنجليز وباقي الأوروبيين. وما يزيد العجب أن مناخ تلك الأصقاع الشمالية الباردة الممطرة غير مناسب بتاتاً للتنورة، فضلاً عن كونها غير موائمة للرجال. فلماذا إذن يتمسك رجال إسكتلندا بذلك التقليد، الذي يعود لنحو ثلاثة قرون؟ بدأ السبب اقتصادياً، ثم أصبح سياسياً. ففي مطلع القرن الـ18، تعرضت منطقة «الأراضي العليا» Highlands لقحط ومجاعات، أفقرت السكان، وجلّهم مزارعون ورعاة. فلم يعودوا قادرين على اقتناء ملابس مخيطة. فاكتفوا بلبس قطعة قماش مربعة أو مستطيلة، من دون أي خياطة، يلفّونها حول الخصر ويثبتونها بخرقة كنطاق، مع تغطية الجذع بقطعة قماش أخرى مشابهة.
وفي عام 1727، حصل تطور مهم، إذ تعاقد رجل أعمال إنجليزي مع زعماء عشائر «الأراضي العليا» على استثمار غاباتها. فاستوظف عدداً كبيراً من المحليين. لكنه وجد قطع القماش الملفوفة تلك غير متماشية مع طبيعة عملهم في الحطابة. فاستقدم خياطاً وطلب منه أن يخيطها بشكل مبسط، لتفادي الكلفة العالية. فكان أن فصّلها الخياط في هيئة «كيلت»، التنورة التقليدية، التي تمثل ألوان كل منها وأشكال مربعاتها إحدى عشائر معشر الإسكتلنديين.
إذن، في البداية، كانت التنورة حكراً على حطابين وعمال معدمين. فلماذا عمّت لاحقاً؟ من المفارقات أن منعها هو ما أفضى إلى شيوعها. كيف؟ في عام 1745، تمّ سحق آخر انتفاضة «جاكية»، أي تلك التي عارضت السلالة المالكة ونادت بعودة آل ستيوارت للحكم، متمثلة في سليلهم جاك. وبما أن الإسكتلنديين كانوا أكثر أنصار الحركة تحمساً، صدر مرسوم بمنعهم من إبراز أي ما يشير إلى هويتهم، خصوصاً التنورة.
لكنّ لكل فعل ردَّ فعل يساويه في القوة ويعاكسه في الاتجاه. عليه، عمد إلى تبني التنورة باقي الإسكتلنديين، حتى الموسرون منهم، بل لا سيما هؤلاء، حيث وجدوا فيها وسيلة ليس فقط لإثبات هويتهم القومية والتعبير عن شجبهم قرار لندن الجائر، إنما أيضاً لإبراز خصوصياتهم العشائرية، بما أن كل عشيرة تعتمد قماشاً من ألوان وأشكال معينة خاصة بها.