الاكتفاء هو المرحلة التي يطمح لها الطموح، ولكن هل هناك مرحلة من الاكتفاء، حين يصل لها الإنسان يشعر بالراحة ويستمتع بما وصل إليه من اكتفاء؟ لأنها المرحلة التي ما بعدها مرحلة.
في المال لا يوجد اكتفاء على ما أظن، فليس هناك مبلغ محدد يكتفي الإنسان بالاكتفاء عنده، طالما هو قادر على زيادته، وربما ينطبق وضع الاكتفاء على محدود الدخل، الذي قد يشعر بالاكتفاء.
أما الاكتفاء الذي أظنه مهماً في حياتنا فهو الاكتفاء بالحب، ولا أقول الشعور بالرضا فقط، هناك حالة من التشبع في الحب ما إن يصل إليها الإنسان حتى تسوده الطمأنينة في حبه، ولا ينغصه إلا إذا أراد أحد تقديم النصيحة له، في جانب سلبي من هذه العلاقة، حيث يكون القلب قد تحصن من النصيحة المعادية، وتحصن من الوشاية المغرضة، وأصبح غير قادر على الاستماع لأحد، سواء كان سلباً أم إيجاباً.
قد يقول البعض إن الحديث السلبي حول علاقة وصل طرفاها إلى حد الاكتفاء، أمر مفهوم ومرفوض، أما الحديث الإيجابي فما هي علامة رفضه؟ وهنا يشعر المحب بأن الكلام الإيجابي إما أن يكون في مجال المجاملة، وهي غير مطلوبة، أو أنه حديث صادق ولكنه لا يشكل إضافة للعاشق، فهو في مرحلة الاكتفاء، ليس لديه مساحة في بستان المشاعر ليستقبل بها وروداً أخرى، أو مساحة لزراعة شجر المحبة.
حين يصل العاشق إلى مرحلة الاكتفاء، يكون بستان قلبه قد اكتمل بأشجار الثقة، وورد الوفاء وأعشاب الفرح، إنها مرحلة مهمة في حياة أي عاشقَين، وما يفسدها، ألا يسعى الطرفان إلى الوصول إليها، وترك مساحة قد يتسرب إليها الشك، وقد تدخل عليها حالة (وماذا بعد؟)، أي أن هناك حالة أخرى يجب الوصول إليها، وهؤلاء لن يصلوا إليها في يوم ما، لأنها ستكون بعدها مرحلة أخرى حين يصلون. وكأن القناعة حصن للحب مما قد يعتريه من أمنيات، حتى لو كانت مشروعة، فالاكتفاء يوصد كل تلك الأبواب التي تفسد حياة العاشقين.
ومن يصل إلى حالة الاكتفاء، لا يريد ولا تعنيه النصيحة، ولا يرى عند عاشقين آخرين شيئاً يغريه، ولا ينتظر المفاجآت ممن يحب، فكل حياته مفاجأة جميلة، واكتمال لا يزاحمه النقصان في شيء من الحب والحنان والاحترام والتقدير.
لا بد أن نتوقف دائماً عند حد من حدود القناعة في الحب، ويعتبر كل طرف أن حبيبه هو الأكمل بعينه، والأصدق بقلبه، وهو الأمان الذي يرجوه ممن يحب، والطمأنينة المنشودة في الحب، فلا يقول أحدنا لقد اكتفيت، إلا إذا قرر بداخله أن من يحبه هو حبيبه الأحق بحبه.

شعر

هنا نهرٌ هناك الماءْ        أرى فيها الذي أهوى

ولي من نهرها الإرواءْ      أراها منبع الأشياءْ

لأن حبيبتي اكتملتْ          هي الدنيا بروعتها

فلستُ بحاجة الأسماءْ       وفيها النور والظلماءْ

بها من كل خاطرة          حياةٌ، واكتفيت بها

قصيدة عشقنا العصماءْ      فلا تغريني الأهواءْ