كان لي صديق مهووس بالمطربة الأميركية ليدي غاغا، كلما ركبت في سيارته يخضعني لجلسة استماع لأحدث أغانيها، قبل أن يراجع معي إصداراتها القديمة، ثم يقارن بين هذه وتلك، ويبدأ باستعراض مقاطع حفلاتها ومقابلاتها، وكل ما له صلة بها ولو كانت قطعة علكة التصقت بكعب حذائها! لم أجد ما يجذبني في صوت غاغا، ولم أتعمد يوماً أن أستمع لأغانيها، ولم أكن أعرف عنها أكثر مما يصلني من الإعلام عن إطلالاتها الجريئة وتقليعاتها الغريبة، فتارةً تظهر متنكرةً بزي شبح، وتارةً تخرج مرتدية قناعاً ضخماً لرأس عصفور، إلى أن أتى اليوم الذي نزل فيه فيلم A Star is Born، وهذه المرة، جاءت ليدي غاغا بقدميها إلى ملعبي، حيث الصورة قبل الصوت، وحيث القاعات المغلقة عوضاً عن الهواء الطلق، وحيث يسود الهدوء والعتمة بدلاً من الصخب والأضواء، حيث السينما.

فيلم معاد إنتاجه

تدور أحداث فيلم A Star is Born حول جاكسون ماين، وهو مُغنٍّ شهير ومدمن على مخدرات وكحول، ويؤدي دوره النجم برادلي كوبر، إذ يلتقي آلي ليدي غاغا، وهي نادلة تتمتع بموهبة تتيح لها الغناء من حين إلى آخر في إحدى الحانات، فيعجب بصوتها وأدائها وسرعان ما يقع في غرامها، فيتشاركان في تأليف وأداء بعض الأغنيات، لتكتسب آلي شهرة عالمية تلقي بظلالها على علاقتها بجاكسون. قد تبدو القصة مكررة للبعض، وهي كذلك في الأصل، فقد اكتشفت مؤخراً أن هذا الفيلم إعادة إنتاج لفيلم صدر عام 1937 ويحمل الاسم نفسه، وصُنعت منه نسختان محدثتان عامي 1954 و1976، قبل أن تعيد «بوليوود» إنتاجه بطريقتها الخاصة تحت اسم Aashiqui. كما أن الفيلم ذكرني كثيراً بأحد أفلامي المفضلة Begin Again، خصوصاً في مشهد اللقاء الأول بين الثنائي، الموهبة ومكتشفها، حيث يبدأ الأمر دائماً من حانة مغمورة.
ما يثير الإعجاب في فيلم A Star is Born، أن ليدي غاغا أتقنت تمثيل دور المغنية المغمورة، التي تتلمس طريقها للأضواء وتبهر أمام الجماهير الغفيرة كأي فنان مبتدئ، على الرغم من أنها اعتادت هذه الأجواء في حياتها الواقعية، وباعت ملايين النسخ من ألبوماتها وحصدت العديد من الجوائز المرموقة، ولعل الذي ساعدها على تأدية الدور تجربتها الشخصية في هذا العالم، واستحضارها بداياتها أثناء تقمّص شخصية آلي. على الجانب الآخر فإن برادلي كوبر يستحق تصفيقاً حاراً على براعته في أداء دور جاكسون مغنياً ومدمناً وعاشقاً، ولاحظت أنه يزداد توهجاً في الأدوار التي تتضمن صراعات نفسية أو أمراض عقلية، مثل شخصيته في فيلم Silver Linings Playbook مع جينيفر لورانس. كما يستحق كوبر تصفيقاً آخر حين نعرف بأنه هو المخرج أيضاً في A Star is Born، ويكفينا ما قالته ليدي غاغا عنه في المقابلات الصحافية والمؤتمرات الترويجية للفيلم: «قد يكون هناك مئة شخص في الغرفة، 99 منهم لا يؤمنون بك، وشخص واحد فقط يؤمن بك، وهو برادلي كوبر»، وكررت هذه المقولة 99 مرة ربما!

نهاية تفطر القلوب

تمنيت أن يكون هناك تكثيف وتعميق للمشاهد التي تجمع بطلَي القصة، حيث شعرت في مرحلة ما بأنها ليست أولوية في الفيلم، بل مجرد فواصل بين المشاهد الغنائية، لكنني لا أستطيع إعطاء حكم جازم بهذا الخصوص، إذ إن عدداً من اللقطات كانت محذوفة في دُور العرض الخليجية، وقيل لي إنها قد تصل إلى 11 دقيقة! ولا أدري أي إضافة كانت ستؤديها. ومع ذلك فإن الفيلم كان مؤثراً ونهايته قد تفطر قلوب الكثيرين. أشعر بامتنان لـA Star is Born، لأنه جعلني أكتشف ليدي غاغا من زاوية جديدة، بل إنني أحببت كل أغانيها في الفيلم، وفي المرة المقبلة التي سأخرج فيها مع صديقي الذي أخبرتكم عنه، سأكون أنا من يتحكم بمشغّل الموسيقى في السيارة.