وسط اندفاع العالم ليصف كل شيء بالذكي من مُدن وأجهزة وخدمات، استوقفتني لحظة تأمّل في المعنى الحقيقي للذكاء الذي كبر معنا منذ طفولتنا وما الأدوار التي لعبها في حياتنا. وعادت بي الذاكرة لأيام المدرسة الابتدائية عندما كان لقب الذكيّ لقباً له رنين لصورة من يحمله بين زملائه، وهو ذاته اللقب ولكن بمعنى آخر في الحياة الاجتماعية والعملية في يومنا هذا.
ولكن خلال سيري بمعرض جيتكس للتقنية - الذي انعقد مؤخراً - سألت نفسي: لم يبقَ شيء إلا وأطلقنا عليه الذكي والبطولة خلال السنوات الأخيرة للمدن التي تتسابق لتكون ذكية، فهل هو لقب متاح لأي شيء؟ ولذا بدلاً من البحث عن تعريف للفظ الذكاء في حد ذاته أرى أن دور الذكاء وما الذي سيضيفه لحياة البشر العملية والشخصية هو الأهم.
أعتبر نفسي محظوظة لأني كنت أوّل امرأة تتولّى مهمة قيادة أوّل مبادرة لبناء مدينة ذكية هي دبي الذكية عام 2013، وهي فترة كان العالم لم يألف أن نصف المدن بالذكية ولم تكن هناك جهة دولية أو حتى مبادرة فردية لمدينة تصف وتوضح معايير بناء المدن الذكية. وهو ما جعل مهمتي أنا وفريقي حافلة بالتحديات ولكن حولناها لفرصة ألماسية لأننا بنينا نموذجاً ذكياً يليق بدبي كمدينة يعشقها العالم وتحتضن أكثر من 200 جنسية، وخلال وقت قياسي تمكنّا من أن نكمل نموذجاً حقيقياً يعمل على أرض الواقع للمدينة الذكية بنيناه حول الإنسان.
فما السر؟ سؤال سيتبادر لذهن كل من يقرأ سطوري وما الذي يميّز تجربتنا؟ فالتقنية من ذكاء اصطناعي وإنترنت الأشياء والبلوك تشين وغيرها موجودة ومتاحة للجميع! جواب السؤال هو نقطة البداية التي انطلقنا منها بتوجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، الذي أراد مدينة تستقبل احتياجات الناس وتلبيها على مدار الساعة ومتى احتاجوها. فلم يكن توجيهه يشير إلى التقنية أو نوعها بل بتبني كل ما هو مستقبلي منذ الآن بشرط واحد جوهري أن يُضيف بُعداً آخر للحياة في المدينة وكأنّ كل ما فيها ينادي ساكنيها وزوارها ورجال الأعمال فيها بعبارة: أنا دبي وأنا أفهمك وعندي ما تريد.
في مشوارنا لبناء دبي الذكية لم نذهب وحيدين ونقتصره على الشركاء الحكوميين، بل اصطحبنا معنى الجميع من حكومة وقطاع خاص والأفراد، لأننا أردنا بناء مدينة المستقبل منذ اليوم، وبالأسلوب الذي يعكس حقيقة احتياجاتهم. وبينما لا يزال العالم حتى اللحظة ومدن كثيرة تبحث عن تعريف المدينة الذكية والذكاء الذي يريده الناس، قررت أنا وفريقي منذ بدأنا أن نعود لأصالة معنى هذه الكلمة وما الذي تُحدثه في القلوب عند سماعها.
وأنا منحازة لتعريفي للمدينة الذكية الموجود على أرض الواقع اليوم، وهو المدينة التي تفهم الإنسان بأدواره المختلفة وتعطيه ما يحتاجه من دون أن يطلب. وتلك هي دبي الذكية المتجددة كلّ لحظة وبنفس سرعة تغيّر احتياجات الناس، وأحدث التقنيات مجرّد بنية تحتية وضعناها في مكانها الصحيح لتنبض دبي بتجارب حقيقية. فما تعريفكم للذكاء الذي تريدون؟