كرّست العالمة السعودية الدكتورة فاطمة عبد الرحمن باعثمان، سيرتها المهنية في أبحاث واختراعات رسمت لاتجاهات جديدة، ليس على مستوى تَخصّصها في الذكاء الاصطناعي فحسب، بل أيضاً على مستوى بنات جنسها، ولم يكن طريقها مُعبّداً وهي تضع بصمة تخطت بلدها ووصلت بها إلى العالمية. «زهرة الخليج» تطل على ملامح من تجربتها العملية والحياتية الثرية.


تعترف باعثمان بأن وجودها كامرأة في مساق البحث العلمي والاختراع، الذي يعتبره البعض مجالاً ذكورياً، وضعها أمام تحديات كبيرة، توضح بالقول: «واجهت كثيراً من الصعوبات، خاصة أني اعتمدت على ذاتي. وصادفني من المسؤولين من يرفض التحدث مع امرأة ومن يسلبها الفرص ويحاول تأخيرها. ولكن لم يُعقني ذلك عن تحقيق هدفي وتنمية قُدراتي، فأنا راضية تماماً عن نفسي، ومع توافُر منصات البحث العلمي المبنيّة على الذكاء الاصطناعي سيختلف الوضع للأفضل».

إنجاز وعالمية

عن عملها كعالمة ودوافعها لاختراع كائن لغوي تقنيّ، مزجت فيه بين اللغة العربية والتقنية، تقول الدكتورة باعثمان: «لا أستطيع مقارنة نفسي بعلمائنا الأفاضل من العرب، فاللغة العربية لغتي ولغة القرآن، وتمثل حضارة أمم، وتحمّست لتصحيح نظرية لغوية طبقها «جونتن كي» على اللغة العربية، ووثقت النجاح بورقة علمية».
لم تفطن الدكتورة باعثمان يومها إلى أنها تنجز ما سيلفت الأنظار إليها عالمياً، وكانت تكفي بالنسبة إليها تأدية وظيفتها في خدمة بلدها السعودية، وتؤكد أنها فخورة بالنتائج: «كانت مرحلة ممتعة بجميع ما حملته من نجاحات وصعوبات، وحقاً إلى الآن لم تتحقق جميع طموحاتي، ولكن القادم أكثر متعة ومنفعة للمجتمع والوطن».

سلاح ذو حَدّين

في ميزان الخير والشر، تجد العالمة باعثمان، أن الذكاء الاصطناعي سلاح ذو حدين مثل أي علم آخر. توضح: «إذا تم تسخيره للخير، أسهم في التنمية، ويُستفاد منه في شتّى مجالات الحياة العملية والعلمية والاقتصادية والسياسية والأمنية وغيرها». وتتابع قائلة: «يُعتبر الذكاء الاصطناعي محرّكاً لحضارة إنسانية جديدة، كظهور الروبوتات شبه الإنسانية الذكية، مثل الروبوت صوفيا السعودية، التي توقع مشاركتها في تحقيق رؤية 2030. فالذكاء الاصطناعي المحرك الرئيسي للثورة الصناعية الرابعة، التي ستحقق 320 مليار دولار مع عام 2030 للشرق الأوسط». مشيرة إلى أن «تسعة من أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة اعتمدت الذكاء الاصطناعي، منها التعليم، البيوت الخضراء، المدن الذكية ومُتابعة الفقر. أما فيما يتعلق بالشرّ إذا جاز التعبير، يُمكن مناقشة استخدامه في الحروب والسيطرة على كوكب الأرض ومُقاسمة مواردها».  وعن مدى حاجة العالم إلى الذكاء الاصطناعي، تؤكد الدكتورة باعثمان: «احتياجنا للذكاء الاصطناعي سوف يستمر ويتطور حتى عام 2050، حيث يعتبر هدفاً زمنياً لإنتاج ذكاء خارق جداً. وتأخرنا سيؤثر في إنتاجنا واقتصادنا ومعرفتنا وحضارتنا، وربما استمرارية بقائنا».

الفرص مُتاحة

في ظل التطورات الحادثة الآن في المملكة، تجد باعثمان الفتاة السعودية اليوم محظوظة، والفرص أمامها مفتوحة، حيث لا يقف أمام انطلاقها نحو الإبداع والتألق في مختلف المجالات إلا قناعات بعض أفراد المجتمع بإمكاناتها، وضرورة توسيع مجالات المشاركة على المستويات القيادية، لكن باعثمان تُعبر عن امتنانها بالقول: «الشكر الجزيل للملك سلمان على تنفيذ جميع خطط التمكين للمرأة السعودية، التي سوف يُسطرها التاريخ له بمداد من ذهب، وأطمح إلى أن أكون على قدر من الثقة للمشاركة في ريادة هذا العلم المهم لخدمة الوطن والمنطقة».

تطوير الذات
 
وعن حياتها اليومية توضح الدكتورة باعثمان، أعيشها «مثل أي امرأة، أستمتع بأداء رسالتي المعرفية بالجامعة وخارجها، وأعمل على تطوير ذاتي في أكثر من اتجاه باستمرار وإصرار». ومتحدثة عن أكثر الأمور التي تجد نفسها فيها: «أسعد بقضاء أوقاتي مع والدتي ورعايتها، كما يسرّني مشاركتي في استشارات ومؤتمرات لتمثيل الوطن رسمياً، ومشاركاتي المجتمعية من فترة لأخرى بأعمال تطوعية، من أهمّها حالياً قناة تختص بعلم الذكاء الاصطناعي والابتكار على منصة الـ«تليجرام»، تتوافق أهدافها مع مَحاور رؤية 2030. وقد نتج منها مجموعات تطوعية وحقائب تدريبية في الذكاء الاصطناعي للأطفال، وابتكارات وتوجه نحو الأعمال ومساعدة طلبة العلم وغيره».

مستقبل الذكاء الاصطناعي

بالنسبة إلى الذكاء الاصطناعي، تتوقع د.باعثمان بأنه سيُصبح مقياساً ومؤشراً لتقدم وحضارة الدول، وأن الدول والمنظمات الدولية سوف تسارع إلى وضع تنظيمات الذكاء الاصطناعي، لذا علينا أن نخطط لنكون فاعلين ضمن هذه التكتلات الدولية. وتُبيّن قائلة: «أتوقع أن تضيف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة الذكاء الاصطناعي إلى الزراعة. وفي العيد العشرين لمعامل الذكاء الاصطناعي عام 2007، قدّمتُ مقالة عن توقعاتي لآليّة التعليم المستقبلي، وذكرت ربط الدماغ البشري مباشرة بمخازن معرفية، يتم من خلالها تحميل وتفريغ المعلومات للذاكرة البشرية باستخدام تقنيات سريعة في الاتصالات، وفي مارس 2017، ربط «إيلون ماسك» الدماغ البشري بشريحة، وصرحت «فيوتشرزم» أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يَدْحَض الذكاء البشري بنسبة 50% خلال الـ45 سنة المقبلة، لذلك، أتوقع أن يكون رفع الذكاء البشري وتطوير آليّات التعلّم واختصار زمنه من الأهداف المقبلة. أما المدن الذكية والمستقبلية، فلن تقتصر على العملية الإنشائية، وسيتم الربط بين السيارات والهياكل والمدن الذكية المتصلة بمنصات عالمية، تتوحّد فيها السياسات والأنظمة والموارد وغيرها، وكذلك بالنسبة إلى الاقتصاد». وتختتم د.فاطمة عبد الرحمن باعثمان قائلة: «أتوقع كذلك أن يدخل الذكاء الاصطناعي ضمن اهتمامات مجلس دول التعاون، وأن يتم تشكيل مجموعة من الخبراء ليُسهموا في وضع الأولويات، ورسم الخطط والاستراتيجيات لتخطي المخاطر».