الصورة بالأبيض والأسود. المسرح واسع ومؤثث بالبساطة. الحضور نساء ورجال في منتهى الأناقة والاستعداد للأمسية الغنائية، وعلى المسرح كوكب الشرق أم كلثوم، تصدح بحضورها الاستثنائي بأجمل قصائد الحب، وخلفها فرقة موسيقية، تحاول مجاراة الأسطورة، وهي ترفع حنجرتها إلى أعذب وتر. فيما يعلو تصفيق المشاهدين، عندما ترفع «الست» منديلها، وتتماهى في عذوبة الأغنية.
هذا مشهد من «الزمن الجميل»، يختصر كثيراً من تاريخ الفن العربي في القرن العشرين، الأغنية التي كانت، السينما، الموسيقى، والمسرح، وكذلك أجيال الرواد من المطربين والمخرجين والموسيقيين الكبار، الذين صنعوا ذلك التجلي، وتركوا لنا كل هذا الحنين للماضي.
ذلك الزمن لم ينتهِ، لا يزال محفوظاً في الذاكرة والأرشيف، ولا أسهل من استعادته والاستمتاع به الآن، بفضل التكنولوجيا الحديثة، وتطبيقاتها الرقمية الهائلة. لكنه زمن مضى، والتعلق الشديد به فقط، يعزلنا عن جماليات كثيرة في عصرنا الراهن، وعن إيقاعه، وصوره المتتالية. فالمتلقي اليوم لا يستطيع الإنصات لأغنية مدتها ساعة كاملة، وتصفّح الكمبيوتر والهاتف متاح، بما قد يغنيه عن التوجه إلى العروض السينمائية والمسرحية.
«الزمن الجميل» هو الآن تماماً، حيث يمكننا حمل الماضي في هاتف صغير، والتواصل معه بسهولة متناهية. نستطيع مشاهدة ملامح حياة الأجداد والجدات وتراثهم في «زمن الطيبين»، وكيف كانوا أكثر بساطة وقبولاً للفنون والتطور، فالقيم والمشاعر لا ترتبط بزمن، بل إنها أكثر صدقاً عندما تعبر عن الواقع المعاصر، وتقبل به، بمتعة وثناء على ما نحن فيه من نعمة في عصر ثورة المعلومات والاتصال، وآفاقها الفذة.
نحنّ إلى أيامهم، لكن لنا أيامنا. نبحث عن فتنة الموسيقى والصوت والسينما التي كانت، غير أنّ ذلك لم يعد سراباً، فالزمن يعبّر عن ذاته، والأغنية القصيرة المصورة لها سحرها الخاص، وكذلك موجة الأفلام القصيرة، وغيرها. كما أن الحياة المعاصرة حسّنت من مستويات العيش والرفاه، على نقيض الصعوبة والتحديات التي واجهها «الطيبون» في «زمنهم الجميل».

ضوء

شبكة التلفزيون التابعة لـ«أبوظبي للإعلام» استثمرت في اكتشاف المواهب الغنائية النادرة، وأعلنت في سبتمبر الماضي عن إطلاق برنامج يتقصى الأصوات القادرة على أداء الطرب العربي الأصيل، وإحياء الهوية الغنائية العربية، وهي بذلك تنتج جيلاً طربياً جديداً، يؤكد أن «الزمن الجميل» لا يزال مستمراً.