لو تسنى لأمينة رزق الوصول لهوليوود، ربما لأضحت، عن جدارة واستحقاق، رصيفة لميريل ستريب وصوفيا لورين وغيرهما من النجمات الكبار حول العالم، كما هو شأنها في العالم العربي، فقد امتلكت هذه الفنانة موهبة نادرة صقلتها بالتجربة الطويلة، وتعدد الأدوار، وتقمص شخصيات معقدة.
أمينة ولدت في 15إبريل 1910 في طنطا في زمن كانت تكافح فيه المرأة المصرية لنيل بعض حقوقها، اكتشفها يوسف وهبي في الـ12 من عمرها، ليفتح لها باكراً جداً أبواب الفن، وهي من جانبها فتحت له قلبها على مصراعيه، لكنها لم تحصل أبداً على «حبيبها الأول»، فبقيت طوال عمرها في محراب حبه.
ابنة تاجر الدقيق التي التحقت بالمدرسة في 1916، شغفت بالسيرك الذي كان يحط رحاله في مدينتها، لتتعلق بالفن، وتبدأ رحلة طويلة امتدت نحو ثمانين عاماً.
انتقلت أمينة رزق إلى العاصمة بعد وفاة والدها في حدود 1918، لتقف على خشبة المسرح بعد ذلك بأربعة أعوام مشاركة مع المجموعة الغنائية في مسرحية، ثم انتقلت لفرقة يوسف وهبي لتمثل للمرة الأولى في مسرحية «راسبوتين» الراهب الذي شغل روسيا لأعوام طويلة بقدراته النفسية واصطياده النساء وتأثيره في القيصر قبل الثورة البلشفية في 1917.
قدمت أمينة مسرحيات عدة بينها «أولاد الفقراء»، «طعام لكل فم»، «مجنون ليلى»، وابتدأت رحلتها مع السينما بفيلم «أولاد الذوات» عام 1932، ثم توالت أدوارها السينمائية في «الدكتور» و«دعاء الكروان» و«الأم»، وكانت في كل ذلك قادرة على تجسيد أدوار منوعة ومعقدة، وصاحبة موهبة في التمثيل بعينيها الحادتين وتلوين صوتها العميق.
عرف عن أمينة صرامتها ودقتها وانضباطها في العمل، إذ أخذت الفن على محمل الجدية، لتشق طريقها وسط عمالقة الفن آنذاك.
على مستوى حياتها الخاصة، وبعد أن خاب رجاؤها في تتويج غرامها ليوسف وهبي، ضغطت عليها أسرتها ضغطاً رهيباً للاقتران برجل تقدم لخطبتها، لكن زواجهما لم يدم سوى أيام، والواضح أن حبها ليوسف وهبي لم يفسح مجالاً لآخر، ليضحى الفن حياتها بعد ذلك.
حصلت أمينة رزق على وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى، وعيّنت عضوة في مجلس الشورى عام 1991، وفي العقدين الأخيرين أبدعت في أداء دور «الجدة» باقتدار وبراعة متناهيين، تارة بالشخصية القوية الأسطورية، وأخرى بالمنكسرة الضعيفة، مرة بالشريرة، وأخرى بالطيبة الودودة.
رحلت أمينة رزق عام 2003 عن عمر تجاوز 90 عاماً، تاركة إرثاً من مئات المسرحيات والأفلام والأعمال الدرامية، والحضور الفني الطاغي الذي دخلت به كل بيت عربي تقريباً، مؤكدة على موهبة قلّما تحدث.
ولئن رحلت أمينة رزق، فإن مدرستها الفنية أثرت في العديد من الفنانات اللواتي نهلن من تجربتها الثرية، وأدركن أن الوصول إلى القمة يلزمه إصرار وجدية وحب عميق للفن، كما فعلت أمينة رزق طوال حياتها التي نذرتها لعملها بشكل متفانٍ، تخلت فيه حتى عن حلم أي سيدة بتكوين أسرة، لتصبح أسرتها من المحيط إلى الخليج.