تتلاطمه الأمواج أو (عايش في دوّامة)، وصف يستخدمه غالبيتنا على اختلاف مرجعيتنا الثقافية أو لهجاتنا للحديث عن شخص يتخبط في جانب ما من حياته أو موقف، وهي صورة بلاغية تجمع بين جمال لغتنا العربية من جهة وقدرة تراكيبها على إيصال المعنى من جهة أخرى، البطل فيها البحر الذي لا يقهر ويشاركه فيها البطولة (النوخذة) بلهجتنا أو القبطان، وبراعته تحدد نهاية الموقف فإما نهاية حزينة تختفي فيها السفينة والطاقم، أو انتصار ينتزع البطولة من البحر.
لكن البحر الذي أتحدث عنه اليوم ليس بحراً مائياً ولكن بحر المستقبل وأمواجه تحديات وفرص في الوقت ذاته، فبحر اليوم هو الثورة الصناعية الرابعة وغزو الفضاء وعالم تؤثر فيه التقنيات الجديدة مثل الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء وغيرها، ولأن أمواج هذا البحر هي الأخطر وغير تقليدية، فهي تحتاج لـ(نوخذة) قادر على ركوب الأمواج وتحويلها لطاقة دافعة للإنجاز.
فما الذي يتطلبه إعداد (نواخذة) للبحر أو حتى المحيط الجديد؟ السؤال يحمل جزءاً كبيراً من الإجابة، فبحر التحديات الجديد يحتاج فئة جديدة من (النواخذة) قادرين على قيادة دفة مؤسساتهم في عصر التحول الرقمي وعصر القيمة الإنسانية للخدمة أكثر من الخدمة ذاتها، حريصين على التجديد في أساليبهم واستراتيجياتهم وطريقة ترجمتها على أرض الواقع.
ليس هناك أبلغ من تصنيف صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، للمسؤولين (النواخذة) في العالم اليوم وهم: مفاتيح الخير ومغاليق للخير، وعصرنا الحالي يحتاج أكثر من أي وقت مضى للنوع الأول واندثار النوع الثاني، بحر المستقبل يحتاج نواخذة شغلهم الشاغل أن يكونوا مفاتيح للخير يحبون خدمة الناس ويسعدون بتسهيل حياة البشر وقيمتهم ليس بمسماهم الوظيفي بل بما يعطونه ويقدمونه وإنجازهم الحقيقي في تغيير الحياة للأفضل، ولذا يجب أن نحرص على فتح الأبواب للناس وتقديم الحلول لهم والسعي لمنفعتهم.
ولكي نحقق رحلات مثمرة وفعالة في هذا البحر نحتاج إلى أن نؤمن، كلّ في موقعه، بكافة أفراد الطاقم ونلهم كل واحد من فريق العمل من أبسط الدرجات الوظيفية وصولاً لقيادة المؤسسة، بحيث يجدفون نحو هدف واحد هو المركز الأول، ولكن المجاديف ليست خشبية ولا محركات متطورة، بل هي خبرات ومعارف وقدرات أعضاء الفريق، وهي طاقة كامنة تحتاج لقائد غير تقليدي وإنسان في المقام الأول قادر على تحقيق الأفضل من تكامل قدرات فريقه.
عالم الإنجاز والتميز لا متسع فيه لمن يضعون العراقيل البيروقراطية ويصعبون اليسير، والتعامل مع بحر اليوم سهل ممتنع لكنه يحتاج نواخذة لبحر جديد.