جرى طرح مقولة المجتمع بوصفه (صحن سلطة) كرد على مقولة (البوتقة الصاهرة)، وهي المقولة التي كانت تصف المجتمع الأميركي، وأنه يذيب المهاجرين القادمين من مشارف شتى ليتحولوا إلى مجتمع واحد متآلف.
ولكن هذه الفرضية لم تخلق التآلف بقدر ما صنعت الإلغاء للمكونات الجذرية للبشر، وجعلت الأسود والمرأة وكأنما هما رجل أبيض، وإنْ ببشرة سوداء أو جسد مؤنث، وهو ما كان يسمى بجوزة الهند، وهي الثمرة السمراء من خارجها والبيضاء من داخلها، وكان هذا مجازاً يدفع الناس ليتخلوا عن مكوناتهم الخاصة كي يتلبسوا ثقافة وعقلية الرجل الأبيض، ولكن نضالات الأقليات كشفت عن حالة التعسف الثقافي والمجتمعي التي تؤدي إلى إلغاء المختلف وحرمانه من حقه في تمثيل ذاته ومن ثم التفريط بحقوقه وتسليم وجدانه وعقله معاً لمراد الثقافة البيضاء.
 وهذه حالة إلغاء ومسخ، وهذا ما أدى بنظريات عديدة لتقوم بطرح مجازات منصفة تعيد التنوع البشري ليكون حالة من حالات التعددية الثقافية، وليست حالة دمج قسري يتضمن الإلغاء، وسارت النظرية مع مطالب الأقليات، بحيث تقوت المقولات النسوية التي ترى أن نظرية المساواة ليست سوى نظرية لإلغاء أحد الطرفين.
والملغى حتماً هو الطرف الأضعف بحيث يفرض عليه أن يكون مثل القوي وينسى حق الاختلاف، وكأن الاختلاف عيب ونقص. ولكي تكون المرأة كاملة الشرط الثقافي يجب عليها أن تفكر كرجل وتتصرف كامرأة، وهو عنوان كتاب ألفه ستيف هارفي، وهو رجل أسود، وهو بهذا لا يلغي عقل المرأة فحسب، بل يلغي نفسه لأنه يعيد فكرة جوزة الهند، حين جعل العقل ينتسب حكراً على الجنس المهيمن ويتحتم على الجنس المضطهد أن يحاكي جلاده ويعيد صياغة قدراته تبعاً لشروط القوي.
وهنا تأتي شرطية مقولة: المجتمع صحن سلطة، بما إنه متعدد الألوان والمذاقات ومتعدد الخصائص الغذائية، وتتجاور هذه المكونات لتشكل هذا الصحن من دون أن يطغى عنصر على عنصر آخر، وهذه مقولة تشير لقيمة التعددية الثقافية في مقابل تسلطية المفاهيم الخادعة، كالمساواة التي تلغي التنوع وتفرض مجازية جوزة الهند، سمراء من الخارج بيضاء من الداخل.