الشعوذة استثمار في الوهم، وقد حاربها الدين، وسخر منها العلم، وحظرتها القوانين الحديثة، إلا أنها لا تزال رائجة في عالمنا العربي، ولها منتجون وإعلام ودور نشر ومنصات رقمية، وكذلك زبائن يواظبون على شراء الخديعة، ودفع ثمنها، من دون تردد، كما لو كانت علاجاً طبياً من صيدلية.
إنها أشبه بتجارة المخدرات، التي تكافحها الدول، لدرء أخطارها عن الصحة العامة، ولتقليل كلفة الفاتورة الدوائية، لكن التعامل الشامل مع الكارثتين مختلف إلى حد غريب، فلماذا يلاحَق تجار الهيروين، ولا يطارَد المشعوذون جميعاً، ويحاكَمون بتهمة «ترويج مادة ضارة بالإنسان». فالمخدرات والتمائم تبيع الضرر نفسه، وتخدع الناس بسعادة لا وجود لها مع المرض والكآبة والعزلة.
لا شك في أن القوانين العربية تشددت في مواجهة أعمال الشعوذة، ولاحقت كثيراً منهم، وهذا أمر إيجابي جداً، ويُحسب للمشرع العربي، لكن المطلوب أيضاً تتبع مصانع الشعوذة الكامنة في دور النشر، التي أغرقت الأسواق بهذه الأكاذيب، فصار مرضى السرطان يبحثون عن مستحيل في خلطة بخور، أو ماء مكث سبع ليالٍ تحت النجوم، بدلاً من مراجعة الأطباء والمستشفيات.
ثم لماذا لا تُمنع المكتبات والأكشاك من بيع كتب المشعوذين، وتُغلق المنصات الرقمية المكتظة بهذا المحتوى المرعب؟ إن مشاهدة واحدة لتلك ال?يديوهات المخيفة على «يوتيوب» عن معالجة «المسحورين» بالضرب والصراخ كفيلة بأن تجعلنا نراجع خطورة هذه الآفة العقلية، خصوصاً أن المشاهدين والمتابعين يصلون إلى عشرات الملايين.
الإعلام كذلك مطالب باستقصاء هذه الظاهرة، والكشف عن خفاياها وعصاباتها، فهذه من أبجديات مسؤوليته المعرفية تجاه المجتمع، فالتوعية بضرورة الطب النفسي، تسهم في كساد الشعوذة، وإغلاق متاجرها، لأن علاج كثير من الأمراض النفسية موجود فقط في العيادات والصيدليات، وفي قوة الإرادة لدى الإنسان، وليس في غرف المشعوذين المظلمة.

ضوء

العلم يفتح دائماً باب الأمل، ويمنحنا علاجاً لأمراض الجسد والنفس، أما الشعوذة فلا تفتح إلا باب الخرافة.