إن كل مواطن يعيش في وطنه، فهو آمن من ازدواجية الشعور بغياب الوطن، ومحاولة مسايرة الموطن ليصل إلى قامة الوطن.
ما عنيته بالوطن هو الكيان الذي ينتمي إليه الإنسان، من أرض وشعب ونظام وحدود جغرافية وبعد تاريخي، أي أن الإماراتي وطنه الإمارات كما أن السعودي وطنه السعودية، أما الموطن فهو المكان الذي يعيش فيه الإنسان بصورة مؤقتة أو دائمة، وهو الاغتراب بصورة محددة.
المغترب إذن يعيش في وطن غير وطنه، أي أنه استوطن في بلد آخر، ومع مرور الزمن يخف الحنين إلى وطنه الأم، حين يقيم علاقات مع المكان والناس، تصبح مع مرور الزمن أقرب إلى شعوره بالوطن.
وربما تكون الجالية العربية من أكثر الجاليات في العالم هجرة، بعد الجالية الهندية، وكلا الجاليتين يتمتعان بالحنين والعاطفة الأسرية، والتمسك بالعادات الخاصة لهم، وهذا ما يجعل اغترابهم متعباً من الناحية النفسية على الصعيد الشخصي.
هناك أوطان تشبه الموطن من حيث اللغة، وهذا ما يجعل الاغتراب أقل قسوة على المغترب، بخلاف اللغة الأخرى وما تمثله من روح بالتواصل، وراحة من عناء التفكير بلغة والحديث بلغة، فكل لغة لها آلية تفكير خاصة بها، ولا يتقن أي إنسان لغة إلا إذا وصل إلى مرحلة التفكير من خلالها والحديث بها.
ومن الآثار التي يكتسبها المغترب عن وطنه، هي ما يكسبه من عادات ومفردات، وأنواع الأطعمة والألبسة أحياناً، ورغم ما يحلمونه من حنين إلى أوطانهم، إلا أنه فور وصولهم يشعرون بنوع من الاغتراب، حتى أن المتعامل معهم سرعان ما يكتشف من حديثهم بأنهم قادمون من الخارج، من خلال استخدام ألفاظ ليست من ألفاظهم في الشراء أو الحديث، تعودوا على استخدامها في بلد الاغتراب.
تقول لي تعودت أن أقول للبائع بكم هذا، وفي بلدي أقول قديش هيدا، فيلفت انتباهي البائع إلى أنني قادمة من دولة خليجية، وأحب أكلة البرياني والمكبوس في الإمارات، وتشكل المطاعم في وطني حالة مغايرة، فلا أجد ما أحب أن آكله.
تقول نحن مع مرور الزمن لم نعد نشعر بأننا غرباء، وإن اختلاف جوازات سفرنا لا يشكل اختلافاً بالحب للأرض التي نعيش بها، ولا يقلل من حرصنا عليها والفرح لكل نجاح بها وتطور، فلا أجد فرقاً بين موطني ووطني، إلا بما أفتقده، وما أفتقده لا يشكل حدثاً مهماً في حياتنا.

شعر

دعتنا الأماني بهذا المساءْ       سلامٌ عليها إذا ما التقينا

إلى موطنِ الحب والكبرياءْ     ومدَّ الأمان علينا رداءْ

إلى موطنِ السّلم والحبِّ جئنا   تلوَّن من فضل عامٍ كريمٍ

لأرضٍ بها نزرعُ الأصدقاءْ     له في جميع القلوب انتماءْ

رأيتُ الإمارات والحب فيه     فما من لقاءٍ بغير فراقٍ

تغني حداءً بلحن السماءْ        وكم من فراقٍ تمنى اللقاءْ