في مطلع القرن الـ16، اكتشف المستعمرون الأوروبيون البطاطس في وسط غرب أميركا الجنوبية، وهي ما أصبح لاحقاً دولتي بوليفيا وپيرو. وسموها «پاتاتا»، أخذاً عن السكان الأصليين. لكنها كانت غير مستساغة للإنسان، فعمدوا إلى استخدامها كعلف للدواب، وحسب. وطوال أكثر من 150 عاماً، ظلت تحمل «سمعة دونية» كمجرد غذاء للحيوانات.
فلماذا، بدءاً من نهاية القرن الـ18، أصبحت البطاطا مستساغة، وشاع استخدامها، بحيث أصبحت تشكل عنصراً غذائياً أساسياً في العديد من البلدان؟
تعود «قصة نجاح» البطاطس لأسباب وسياسات اقتصادية وسياسية. ففي النصف الثاني من القرن الـ18، كان تجار الحبوب في فرنسا يحظون بسطوة كبيرة من خلال تحكمهم في تجارة القمح، الغلة الحيوية الأولى آنذاك. ووصل نفوذهم حدّ تحدي البلاط، الذي وجد نفسه عاجزاً أمام ابتزازهم.
ففكر الملك لويس الـ16 في إيجاد وسيلة لتقويض احتكار تجار الحبوب، خشية تزايد قوتهم إلى درجة قد تهدد العرش نفسه. فصادف أن حدثه نفر من الحاشية عن عالم نبات يدعى أنطوان أوغست پارمانتييه Parmentier، كان أيضاً ضابطاً شارك في غزوات كثيرة، فاكتشف البطاطا في ألمانيا واهتمّ بها وبإمكاناتها الكامنة، وعكف على تحسينها. فبعد إدخال النبتة إلى إسبانيا أولاً، وصلت بشكل خاص إلى بريطانيا وألمانيا، إنما لم يكترث بها أحد كغذاء للبشر.
عمد الملك إلى استدعاء پارمانتييه وأوعز إليه بتعجيل «برنامج» تحسين الغلة الجديدة، غير المعروفة وقتها. وخصص له موازنة وإمكانات معتبرة، إضافة إلى «حديقة تكييف النباتات» (في ضواحي باريس)، التي أخضعها لحراسة مشددة تحسباً لأي تخريب.
سهر عالم النبات سنوات طوالاً على إنجاز ما عدّه مشروع حياته. وبعدما توصل إلى مذاق غير منفر، ولو إنه لم يكن بعد يضاهي طعم البطاطس مثلما نعرفه اليوم، أقام البلاط حفلاً بهيجاً احتفاءً بالحدث و«تنغيصاً» و«تحنيصاً» لتجار الحبوب. فتمّ في الحفل تقديم أطباق البطاطس، تذوقها الملك، فقال «طيبة، أحببناها». وكان العرف في تلك الأزمنة يقضي بأن تنتقل أي «صرعة» يستحسنها العاهل إلى الحاشية وطبقة النبلاء والأرستقراطيين تشبهاً و«تبركاً». لكن، مع مواصلة تحسين الإنتاجية وتعميم زراعة البطاطس في البلاد، انخفضت أسعارها فباتت في متناول الجميع، حتى الفقراء.
وبسرعة كبيرة، عمّت زراعة البطاطس وطرق تحسينها في أوروبا، بحيث تم حصر 630 صنفاً منها في عام 1881، تنتمي إلى ثلاث مجموعات رئيسية حسب الشكل الهندسي: المدورة والبيضاوية والأسطوانية، وتضم كل منها تشكيلة منوعة من ألوان القشرة والخصائص الأخرى. ومن أوروبا، انتقلت عادة تناول البطاطس إلى أنحاء العالم، لا سيما في نهايات القرن الـ20 مع انتشار مطاعم الوجبات السريعة ومعها الـ«فرينتش فرايز».
وحالياً، ينتج العالم نحو 400 مليون طن من البطاطس سنوياً.