هل كنّا في صحة نفسية وذهنية أفضل قبل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي؟ هل نعتبر وحيدين وانعزاليين، لأننا نقضي ساعات طويلة في تصفّح هواتفنا؟ ماذا نفقد حين يتعطل اتصالنا بشبكة الإنترنت، التي نسأل عنها في المقاهي والفنادق والطائرات، بإدمان يشبه إلحاح المدخنين على مكان غرفة التدخين في المطارات؟
الإدمان ربما هو اعتياد مكثف ومنتظم، وربما غير ذلك، علماء الاجتماع منقسمون في فهم هذه المخاوف بين من يربط مظاهر العزلة الجديدة باستغراق الناس في العالم الرقمي المدهش، وبين من يرى أن هذه آفاق جديدة في الحياة، فتحتها تكنولوجيا الاتصال أمام المعرفة والترفيه والرخاء، وتقارب البشر والثقافات، فالمعنى الدقيق للتقدم هو أن تعرف أكثر.
لكن العلماء متفقون على التشكيك بمقولة: «إن الإعلام الرقمي والاجتماعي سبب أساسي للوحدة والاكتئاب»، ويؤكدون أن ذلك مجرد افتراض، ويحتاج إلى متابعة علمية حثيثة في السنوات المقبلة، لقراءة تأثيرات الانفتاح التقني على مختلف الأجيال والشعوب، فهناك دول متقدمة وثرية في العالم يقل فيها استخدام تطبيقات التواصل الاجتماعي، بينما ترتفع أرقام الإقبال في مناطق أقل حظاً في التعليم والتنمية.
الانهماك في هذا الجدل الطويل يغفل عن المكاسب الهائلة للثورة الرقمية، وكيف جعلت العالم أكثر قرباً وتواصلاً، وإلهاماً أيضاً، وكيف أصبح بإمكاننا أن نرى ونسمع ونقرأ عن حدث ما في وقت حدوثه تماماً. فالحياة على الأرض باتت سهلة وممتعة ومفيدة، وهذه الهواتف الصغيرة في جيوبنا تجعلنا جزءاً متصلاً بالزمن.
هذا هو قانون التطور، وما يتبقى فهو ليس أكثر من فرضيات أو تأثيرات جانبية، وقد قرأنا ما يشبهها عندما انبهر البشر باختراع التلفزيون وبالبث الحي في القرن الماضي، وقيل حينذاك إن الناس اضطروا إلى الجلوس في منازلهم ساعات طويلة، مما أسفر عن أجيال أقل نشاطاً، وأكثر بدانة وكآبة، وذلك في القرن نفسه الذي شهدنا في أواخره هيمنة الإنترنت، والاكتشافات المذهلة.
نحن في عصر «إنترنت الأشياء»، الأجهزة ذكية، وكذلك المدن والسيارات والطائرات، ولا أجمل من أن يعيش الإنسان في عالم ذكي وسريع يفرض تحدياً على استجاباته لتطوير نشاطه الذهني، وتسريع إيقاعه، وهو في منتهى السعادة، لسهولة الحصول على المعرفة، وهضمها بسلاسة.

ضوء

محظوظون لأننا نعيش الحماسة والتشويق في انتظار القادم، لسنا مكتئبين، نحن سعيدون لأن الحياة ذهبت بنا إلى كل هذه الدهشة، ونريد المزيد.