«حاولتُ ألعب لعبتك وأظْهَر بصورة مَلاك.. ولبستُ ثوب الثعالب حتى أوْصَل مستواك».. بتلك القصيدة ودّع الشاعر العراقي الشهير عزيز الرسام (مواليد 1952، محافظة الناصرية جنوبي العراق) نجاحاته وتعاوناته مع المطرب كاظم الساهر، بعد أن شَكّلا ثنائياً مُذهلاً استمر حتى منتصف التسعينات. وبعد أن تم الطلاق الفني مع الساهر، راهن الرسام على بعض الأصوات التي لم تستمر معه أيضاً، ليُغادر العراق مُهاجراً صَوْب الأراضي الأسترالية ليَستقرّ بها بعد أن نال جنسيّتها. وعلى هامش زيارته مؤخّراً للعراق، فتحت «زهرة الخليج» ملفّات الماضي والحاضر معه. ونسأله:

تُقيم في أستراليا منذ ما يقارب الـ20 عاماً، ومنذ عام 2012  بت تتردد على بغداد كل عام، وكأن الأمر أصبح من طقوسك. ما السر في ذلك؟
كل عام يجب عليّ أن أزور بغداد، لأعيد ذكرياتي وأُديم علاقتي بالفنانين والإذاعات، وكذلك علاقتي مع الناس، حتى لا ينسوا اسم عزيز الرسام، لذلك تجدونني أيضاً نشطاً وفعّالاً جداً عبر مواقع «التواصل الاجتماعي».

وكيف تجد مدينتك «الحرّية»، وأنت واحد من نجومها، وهي التي عُرف عنها منْجَم الفنانين، أمثال «القيصر» كاظم الساهر وغيره؟
أزورها طبعاً، وأسير في أزقتها دائماً، وأنظر إلى أهلها. لكن للأسف، لم أعد أعرف الكثيرين منهم، فوجوه الناس تغيّرت عليّ، الصغير كبر، والكبير هاجر أو انتقل إلى مكانٍ ثانٍ، أحنّ إلى الأيام الخوالي التي كنت فيها أعرف وجوه أناس هذه المدينة الجميلة. أمّا الآن فلا أعرف إلّا القليل منهم، مع هذا سعدتُ باهتمام الناس بي، وجميعهم يتشابهون في صفة واحدة، هي حفظهم أغنية «لا يا صديقي» أكثر منّي.

الحرب والأزمات

ما سرّ عدم تعاملك مع أي فنان من جيل الأغنية العراقية الحديثة؟
السر يَكمُن في الحرب والأزمات السياسية التي يمرّ بها العراق، فقد تغيّر كل شيء. وسابقاً عندما كنا نلتقي نحنُ الشعراء والمطربين، كان هناك مكان معيّن يجمعنا. أمّا حالياً فلم تَعُد هناك وجْهَة مُحدّدة للقاء الشعراء والفنانين.

نعتقد أن الموضوع ليس كذلك، بل له علاقة بالجفاء وابتعاد الشعراء والفنانين المقصود للقائك؟
للأسف، عبر صفحتي الشخصية في الـ«فيسبوك»، لديّ مُتابَعة من جميع الناس، إلّا أنها خالية من الشعراء والفنانين.. لا أحد يتواصل معي «تَصوّر»!. ولا أعرف ما السر في ذلك؟ والمفروض أن يلتقي الفنان مع الفنان وتكون لديهما آراء تتشكل مع بعضهما، إنما كأنما هناك قطيعة لعزيز الرسام، ولا أعرف إن كانت مقصودة أم لا؟.

هل هذا الانقطاع حدث بعد هجرتك؟ أم كانت علاقتك أصلاً مع الوسط بهذا الفتور قبل مغادرتك؟
قبل هجرتي كنت لا أختلط إلّا مع المطربَيْن كاظم الساهر ومهنّد محسن، وعندما سافرت لم يكن هناك «موبايل» ولا «فيسبوك»، ّولهذا أصبح هناك انقطاع.

أنا لستُ دكّاناً

نسمع حالياً عن أن الشعراء العراقيين يكتبون في اليوم الواحد أربع أو خمس أغنيات؟
أنا لست دكاناً.. بل شاعر إحساس، ولم أكن شاعراً يكتب أغاني بكثرة، بل صاحب اختيارات، والمطرب يجب أن يكون صديقي لأعطيه نصّاً، ويجب أن يكون فناناً حقيقيّاً حتى أستطيع التعامل معه. وهنا أستذكر بعض المواقف بهذا الشأن، حيث رفضت التعامل مع فنانين كبار عرب، مثل ملحم بركات، وسبب ورفضي أنه رجل تجاري في طريقة تفكيره، فعندما أرسل بطلبي وذهبنا أنا والمنتج علي المولى إلى بيته، كان الحديث ينْصَبّ حول «موديلات» السيارات وألوانهم، وأنا جالس لا أفقه شيئاً في تجارة السيارات، فقال لي ملحم: «لماذا لا تتحدث؟». قلت له: «أنا جئت لكي آخذ معك صورة للذكرى فقط» ففوجئ بردّي، وأخذت صورة معه وخرجت. والحال نفسها مع المطرب وليد توفيق، فعندما ذهبنا إليه أنا والمطرب ماجد المهندس أيام زمان، وأسمعناه «شريط كاسيت» بصوت ماجد من كلماتي، انشغل وليد توفيق بالتلفزيون عنّا، ُوتجاهلنا من دون اهتمام، فنهضت وأطفأتُ المسجّل وأخذت الشريط، وخرجنا أنا وماجد، وإذا بوليد يقول لنا: «أين أنتُما ذاهبان.. أبْقوا الشريط عندي» فرفضت، فالإنسان الذي لا يُقدّر الفن لا أستطيع التعامل معه.

لماذا لم نسمع لك منذ 10 سنوات أغنية عراقية حديثة من كلماتك؟
لم يطرُق بابي أحد.. فأنا متجدّد وعندي ما يُلائم هذه المرحلة، ولست منعزلاً مع نفسي، كما أنني «ابن الساعة» ولست ابن ذلك الزمان فقط، حيث إني أتابع يومياً النّتاجات الحديثة وأجاريها في الكتابة.

هل الغربة اغتالت شعر عزيز الرسام؟
لا. بالعكس، لقد أعطتني القوة.. فعندما أجلس وحيداً في الغربة، أشعر بأن هناك شيئاً يُجبرني على مواصلة الكتابة.

اعتراف كاظم الساهر

جميع المتابعين يقولون إنّ المطرب كاظم الساهر الوحيد الذي استطاع إبراز عزيز الرسام شاعراً، ومن بعده قلّ التوهّج لديك. لماذا؟
بل كاظم الساهر نفسه اعترف بأن توهّجي من بعد تعاملي معه بقي مستمراً، فعندما أعطيت أغنية «عزيز بسّ بالاسم»، إلى المطرب مهند محسن، شاهدني كاظم وعمل لي إشارة «أوكي»، يعني معناها «يا عزيز.. استمر»، فاستمررتُ مع مهند محسن وأعطيته أغنية «هي كُوّة ما أحبّك» و«سنة ونص ما أحاجيك». ولا تنسى أن الحروب لعبت دوراً في التوقف، وأسعى حالياً إلى البدء من جديد.

حققت نجاحات مع المطربين كاظم الساهر، مهند محسن، ماجد المهندس، محمود أنور ورضا العبد الله. لماذا جميعهم لم يستمروا معك؟ وأين يَكمُن الخلل؟
قلت لك إنه بسبب الحرب، كل واحد أصبح في مكان ما من هذه الأرض.

• آخر تعاون لك مع كاظم منذ 20 سنة، ومع ماجد كذلك، ومع رضا منذ 15 سنة، ومع محمود أنور منذ 25 سنة، ليست كلها مسافات زمنية بسيطة، حتى نقول إنّ الحرب العراقية أبعدتك. الحرب استمرت أشهراً وتوقفت.. فهل أنت غير محظوظ؟ أم أن السبب يَكمُن فيك أم فيهم؟
لا أستطيع الحُكم إنْ كان السبب فـيّ أم فيهم، وأعتقد أن لكل واحد منهم نصيبه.

كريم العراقي

لماذا لا تفعل مثلما فعل الشاعر كريم العراقي، عندما اكتسب الجنسية السويدية، ورجع واستقرّ في الخليج العربي؟
لا أستطيع عمل ما فعله كريم وترك عائلتي وأحفادي، أنا لست تاجراً، وألتقط رزقي هنا وهناك.

منذ ست سنوات وأنت تَزور العراق وتظهر على الملأ والشاشات.. فلماذا إلى الآن لم يقترب منك أي فنان عراقي؟
يا ليت، فبابي مفتوح لكل من يجد في نفسه القدرة فأهلاً وسهلاً به، وليست لديّ شروط، مجرّد أن يكون صاحب صوت ومُحباً للفن، وأنا لا أطلب شيئاً، بل معروفٌ عني أنني أعطي، والدليل جميع أغاني مهند محسن كانت مجّانية.

السكوت لحفظ ماء الوجه

تصريحاتك اليوم لا تُشبه الماضي، وأصبحت أكثر دبلوماسية وهدوءاً، فمثلاً نصّك الشعري الذي تقول فيه: «حاولت ألعب لعبتك وأظهر بصورة مَلاك.. ولبستُ ثوب الثعالب حتى أوْصَل مستواك»، أعلنت سابقا أن تلك الأبيات كانت رسالة منك إلى كاظم الساهر، فهل تتراجع اليوم عبر «زهرة الخليج» عن ذلك التصريح؟
القصة ليست أن أتراجع أم لا، لقد وصلت إلى مرحلة أني مهما فعلت لا يأتيني غير الصّد والرّد، وكأني أتأمّل مع حائط «كونكريتي»، وبالتالي هذا الحائط أصلاً أصَمّ لا يسمع وليس لديه إحساس، فالسكوت يكون لديّ أولى لحفظ ماء وجهي وشخصيتي وكرامتي، وهذا شعاري. وأقول الله يوفّق أي إنسان مهما فعل وظلمني، وما دام لديه إنتاج جميل ويُسعد الناس ويوصّل إليهم صورة جيدة، فمُبَارَك له بغَض النظر عن السلبيات.

آخر ما أعجبك من أغاني الساهر؟
 أغنية «تعبت».

ملحن أم مطرب

 • هل في نظرك الساهر ملحّن أكثر منه مطرباً؟
لا. في الاثنين هو مُتوفّق، وعندما يُغني يكون بكامل إحساسه ووجدانه، ويتخيّل الشخصيات التي تجلس أمامه. وكاظم يأخذ خياله وتفوقه من الجمهور عندما يشاهد العيون تَرْنُو نحوه مُنْطربة له، والساهر ملحن جيد، وهنالك أسرار في تلحينه لا يصل إليها أي مُلحّن كان، لأنه إنسان غير عادي في التلحين.

لم نسمع طوال حياتك عن تعاون واحد لك مع صوت نسائي عراقي منذ الثمانينات وحتى اللحظة؟
لا توجد لدينا في العراق أصوات نسائية.

أخيراً، أي الأصوات الخليجية والعربية يمكن أن تتعاون معها؟
خليجياً حسين الجسمي، فهو صاحب اختيارات بديعة ومتنوّعة، وليست لديه منطقة مُحدّدة. في أي مكان تضعه ستراهُ موجوداً، وكذلك أنا مُعجب بتامر حسني، ونسائياً «أموت على صوت شيرين».