«أسير الأشواق، بنت أبوها، مالي غيرك، الجوكر، المزيونة، أبو عضل، المحتار، نفسي أموت، سكرة الحب، نبضة شوق، أبو السكاكين، الطفلة المدللة، شمشون، المرأة الذهبية، الثائر، فراس الذيب، الحديدي علي، واحد كول، شحرور»، أمثلة لأسماء مستعارة لا تنتهي، يتخفى خلفها بعض الأشخاص في وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، لدوافع وأسباب مختلفة.

لماذا يختار الأشخاص أسماء مستعارة للظهور عبر وسائل التواصل الاجتماعي؟ ولما الحرص على إبقاء الهوية الحقيقية مجهولة؟ لماذا يختار البعض اسماً مستعاراً يدعو إلى التفاؤل، ويختار البعض الآخر اسماً يعكس التشاؤم والحزن، وربما السخرية؟
هل لذلك علاقة بطبيعة الشخصية؟ هل هناك قصة معينة وراء اختيارهم لتلك الأسماء؟ وما خطورة التعامل مع مثل هؤلاء الأشخاص المختبئين؟
موضوع شائك يطرح نفسه محوراً للنقاش من جوانب مختلفة.

مرآة المجتمعات

يؤكد الكاتب الصحافي والناشط الاجتماعي كامل نصيرات أن ظاهرة التخفي وراء الأسماء المستعارة منتشرة لدى مختلف الشرائح العمرية، ويقول: «هناك أسباب عدة، منها موضوعي، وكثير منها غير موضوعي. تصل إليّ طلبات صداقة من مثل هذه الأسماء، لكنني لا أقبلها، من باب الحرص على أن يكون عالمي افتراضياً حقيقياً قدر الإمكان».
ويضيف: «بشكل عام لو كانت نية هؤلاء الأشخاص سليمة فلا حاجة للتنكر والاختباء وراء أسماء مستعارة، فوسائل الإعلام والتواصل على اختلاف أنواعها تعتبر مرآة المجتمعات، ونحن نعيش في مجتمع من النادر فيه أن يظهر المرء على حقيقته في الواقع، وهذا ينعكس على مواقع التواصل الاجتماعي بالتلون واستعمال أكثر من اسم».

باب للفوضى

مما لا شك فيه أن هناك أسماء مستعارة عديدة تتردد في مواقع التواصل الاجتماعي، تطرح أراء تتعدى أحياناً حدود النقد النظيف والسقف الأخلاقي للمجتمع، وتحتاج هذه الظاهرة، كما يقول خبير التسويق الإلكتروني والإعلام الاجتماعي حسن الحلبي، إلى ضوابط قانونية واجتماعية، كي لا تتحول الحرية الإلكترونية إلى معول هدم وباب للفوضى.
ويضيف: «تصدرت شبكات التواصل الاجتماعي قائمة الوسائل الأكثر والأسرع تأثيراً في المجتمع، والفكرة الأساسية التي وضعت لأجلها مواقع التواصل الاجتماعي هي التعارف والتواصل بين مختلف شعوب العالم، والتخفي وراء اسم مستعار لا يحقق هذا الهدف».
ويوضح: «يلجأ مستخدمو الأسماء المستعارة، للتحدث والنقد بصراحة في شتى المواضيع، وقد يتخذ البعض الاسم المستعار ستاراً للتحدث في أشياء محظورة، وأحياناً لتشويه سمعة الآخرين وأذيتهم».
ومن خلال عمله محاضراً في مجال استخدام وسائل التواصل الاجتماعي للتسويق ونشر الأفكار، واحتكاكه بالكثير من المغردين ومستخدمي الشبكات الاجتماعية، يقول الحلبي: «يبرر مستخدمو الأسماء المستعارة طريقتهم بإمكانية التعبير عن أنفسهم ونشر ما يريدون، والتعليق بحرية، من دون التقليل من احترام الآخرين، بينما يبرر آخرون ذلك بعدم ثقتهم بالعالم الافتراضي، وأن حالة الفوضى والتشكيك في طبيعة وأهداف بعض المواقع وشبكات التواصل الاجتماعي، دفعتهم إلى استخدام اسم مستعار».

الخوف المجتمعي

وفي السياق ذاته يقول المحامي صالح الداوود: «يستخدم الكثيرون الأسماء المستعارة قناعاً خوفاً من قول الحقيقة في وجه المجتمع، فيتحرر من شخصيته الواقعية التي يراقبها كل من يعرفها، ويرى أنه أكثر انطلاقاً، ويمرر إنتاجه عبر منافذ ليست فيها مراقبة الفضوليين».
ويؤكد: «أحياناً لا يكون اختيار الأسماء المستعارة نقصاً في الثقة، أو رغبة في تجاوز الخطوط الحمر، إنما هو هروب من مجتمع كامل يتصادم معه، فيختار الطريق الأسلم، ليعبر عمّا لا يستطيع قوله في عالم الواقع».
ويشير الداوود إلى أن أخطر ما في هذه الظاهرة هو استخدام الأسماء المستعارة وغير الحقيقية، لأغراض غير أخلاقية، مثل تشويه سمعة شخص ما، ويقول: «هناك مستخدمون لمواقع التواصل وخاصة الفيسبوك يحملون أسماء وهمية مستعارة يمارسون تحت غطائها أفعالاً غير لائقة مثل إرسال إزعاجات لفظية أو مرئية ومعاكسات وتحرش، ونشر معلومات تشوه سمعة بعض الأشخاص وخاصة الفتيات».

جهل واستهزاء

«ما نكتبه وما نتصرفه ما هو إلا مرآة تعكس ما يجول بخواطرنا»، كما تقول الفنانة التشكيلية هيلدا الحياري، وتوضح: «لم أجد سبباً مقنعاً يدفع مستخدمي مواقع التواصل أو المنتديات إلى استعارة ألقاب وأسماء، غالباً ما تكون قبيحة ومستهترة، لدرجة عدم احترام الأشخاص الذين يُرسل إليهم طلب الإضافة من (حافي بزمن كله كنادر)، (تاج راسك)، (غصب عنك تضيفني)، وغيرها من الأسماء والألقاب التي لا معنى لها، وليست إلا دليلاً على الجهل والاستهزاء والسخرية وقلة الوعي بالهدف من استخدام الإنترنت، وتعكس تربية مشوهة».
وتضيف: «لا بد من إزالة الأقنعة والظهور بثقة كاملة، فالتواصل الاجتماعي وسيلة للتواصل، وليس لاستهداف الأشخاص وملاحقتهم، ويجب زيادة التوعية بطريقة الاستفادة من شبكات التواصل الاجتماعي، واستغلال هذا المنبر لكل غرض منفعي واجتماعي من الممكن والمنطقي مشاركته مع الآخرين، والنقاش في الأمور الاجتماعية والثقافية المؤثرة».

دوافع غير أخلاقية

للتخفي وراء أسماء مستعارة، كما تقول الدكتورة عصمت حوسو، رئيسة مركز الجندر «النوع الاجتماعي» للاستشارات الاجتماعية، دوافع متباينة، تصنفها إلى دوافع مبررة ومقبولة إلى حد ما، ومنها الخوف أو الخجل من الظهور العلني أمام المجتمع أو عدم الثقة بالنفس أو الهروب من الملاحقة بالنسبة إلى بعض المشاهير أو الحرص على إخفاء اسم العائلة أو القبيلة، ودوافع غير أخلاقية، مثل: الاختراق بغرض القرصنة للحصول على المعلومات والبيانات الشخصية بغرض الابتزاز، أو العبث والتجسس، والانتقام، والتحريض.
وتوضح: «تنتشر هذه الظاهرة في المجتمعات التي يعاني فيها الفرد تقييد الحرية الاجتماعية، خاصة لدى النساء اللواتي لا يستطعن التعبير عن آرائهن بحرية، ولا يتمتعن بعالم واقعي يعينهن على الاختلاط بالمجتمع والشعور بأنهن يمثلن عنصراً مؤثراً فيه، وبالتالي فالمرأة في هذه المجتمعات لا تستطيع أن تعبر باسمها عن آرائها إلكترونياً، فتلجأ إلى الدخول للمواقع وشبكات التواصل باسم مستعار».
من جهة أخرى، تبعاً للدكتورة حوسو: «تخفي البعض خلف أسماء مستعارة يكون سببه عدم الثقة بأفكارهم وآرائهم، وآخرون يعانون خللاً نفسياً في الشخصية، ولو دققنا في الأسماء التي يختارها هؤلاء ودلالاتها سنصل إلى فهم موضوعي لمشكلة اجتماعية أو نقص معين يعانيه هؤلاء الأشخاص بين عائلاتهم أو أصدقائهم أو مجتمعهم».

التنشئة الخاطئة

حول تأثير هذه الظاهرة، يقول رئيس قسم علم الاجتماع في «جامعة مؤتة» الدكتور حسين محادين: «إن التخفي باسم مستعار حالة مجتمعية سلبية غير مبررة، تعبر عن عدم وجود نمط من التنشئة لدى المستخدمين يمنحهم القدرة والثقة بأن يعلنوا عن شخصياتهم كما هي، كما تعكس عناصر البيئة المختلفة التي تفرزها هذه الظاهرة». ويضيف: «يعاني مستخدمو الأسماء المستعارة الازدواجية، وعدم القدرة على التعبير عن الذات بشجاعة، خاصة فيما يرتبط بالمشاعر والتفصيلات».

خلل في الشخصية

من وجهة نظر علم النفس فإن الأسماء المستعارة تعبر عن خلل ما في الشخصية.
ويوضح أستاذ علم النفس والإرشاد التربوي في جامعة عمان العربية الدكتور معن النصراوين، ذلك قائلاً: «إن قيمة الأفكار والآراء تكون من قيمة الشخص الذي يحملها، ولا يمكننا أن نقنع المجتمع بأفكارنا وآرائنا إذا لم تكن هذه الأفكار لشخصية حقيقية». ويضيف: «يمكن إيعاز مسألة استخدام الأسماء المستعارة على مواقع التواصل الاجتماعي إلى الرغبة في حماية الذات، نظراً إلى التضييق الذي تعانيه المجتمعات العربية، فيصبح العالم الافتراضي هو الملاذ الوحيد للتعبير بكل حرية، بالإضافة إلى أن الشخصيات التي تلجأ إلى التعبير والبوح عبر مواقع التواصل الاجتماعي، يمكن أن تكون خجولة، كونها لا تستطيع ذلك إلا في العالم الافتراضي، وهنا يمكننا القول إن هذا الخلل في الشخصية أساسه اجتماعي في المقام الأول».