هي سفارة لا تقفل بابها في وجه أحد، وهو سفير يحمل الكثير من الحُبّ والولاء لدولة يمثلها، وكثيراً من الودّ والعشق لدولة يُمثل دولته فيها. صديق اللبنانيين، سفير دولة الإمارات في لبنان حمد سعيد الشامسي، التقتهُ «زهرة الخليج» في حوار إنساني بعيداً عن السياسة وهمومها، فتحدّث عن عُمرٍ في وطنَيْن، وعن سفارة لا ترتاح.

احتفلت دولة الإمارات مؤخّراً بـ«يوم المرأة الإماراتية». ماذا تقول لها في عيدها؟
- المرأة الإماراتية سيطرت على المرافق كافّة، حيث إنّ لها أهمية استثنائية منذ ما قبل قيام الاتحاد. وكان اهتمام المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان (طيَّب الله ثراه)، مع سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، رئيسة الاتحاد النسائي العام، رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة، الرئيسة الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية (أُم الإمارات)، كبيراً بالمرأة وتعليمها، فوضع خطة استراتيجية منذ بداية الاتحاد، نُفّذت خلال سنوات في عهد الراحل الكبير الشيخ زايد، ثم تَولّاها إلى يومنا هذا، صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات (حفظه الله). فتولّت المرأة الإماراتية أعلى وأرقى المناصب القيادية، في مقدمتها منصب رئاسة المجلس الوطني الاتحادي (البرلمان)، حيث تَرْأسهُ الدكتورة أمل القبيسي. وهناك في السلطة التنفيذية تسع وزيرات. وعندنا وزيرة التعاون الدولي، ووزيرة الشباب، ووزيرة السعادة. وكلها وزارات تُخطّط لدولة وطنيّة. والإمارات دولة تُناهض الفكر الرّجعي، لذا يوجد فيها المعبَد والكنيسة والمسجد.. فهناك 80 كنيسة، إضافةً إلى كنائس موجودة منذ ما قبل قيام الاتحاد، وديننا هو الدين الإسلامي الحنيف المعتدل، الذي يرفض التشدّد والتطرّف، وكل هذه المسائل تُعزز من احترام المرأة ودورها. و30% من السلك الدبلوماسي والقنصلي في وزارة الخارجية من النساء، و60% في الوظائف الحكومية من النساء أيضاً، إضافة إلى أن 80% من قطاع التعليم تسيطر عليه النساء. ونتوقع أن نشهد في السنوات الخمس المقبلة ثورة طبّية حقيقيّة لناحية مُشاركة المرأة فيها.

العلاقة مع لبنان

العلاقة التي تربطك بلبنان بدأت قبل أن تُصبح سفير الإمارات في بيروت، وتحديداً منذ أن كنت طالباً...
(مُقاطعاً): وما زلتُ وسأبقى طالباً. لقد بدأتُ حياتي المهنيّة باكراً في وزارة الخارجية، وتابعتُ دراستي في (جامعة بيروت العربية)، وتعلمت أشياء كثيرة في لبنان، خصوصاً الاحتكاك مع الشعب وأفراد المجتمع كافة.. فلبنان مدرسة. فقد بدأتُ عملي في الخارجية في بداية تسعينات القرن الماضي، وتخرّجت من (جامعة بيروت العربية) عام 1999. درست التاريخ السياسي وحصلت على الدكتوراه في العلاقات العربية - العربية، ومجلس التعاون الخليجي، أما رسالة الماجستير فحملت عنوان: (التطور السياسي والاقتصادي لدول مجلس التعاون الخليجي).

السياسة اللبنانية ليست سهلة، ومليئة بالعُقد. فهل يمكننا القول إنّ حظك كان سيئاً في اختيارك سفيراً لدولة الإمارات في لبنان؟
سنوات خبرتي في لبنان تزيد عن 20 عاماً، حيث إني درست في الجامعة، وعملت نائب سفير لمدة ثلاث سنوات، وأحببتُ أن أكون سفيراً في لبنان، وشاءت الظروف وتحقق ما أحببت. كما أني أحب «الأكشن» والملفات الشائكة، ولا أحب العمل الروتيني والسهل، وأفهم لبنان كما أفهم نفسي، وأعرف تركيبته السياسية ومناطقه وعائلاته، والحساسيّات بين أناسه. لذا أردّد أمام كل من ألتقيهم، أن ولاء المواطن في الدولة الناجحة للأرض لا للأشخاص، ولا يوجد بلد في العالم يتطور إنْ كان يؤمن بالطائفيّة.

كلامك يجعلنا نُدرك سبب اختيارك سفيراً للسلام، وأول سفير لـ«الإنتربول»؟
نحنُ في الإمارات ننتمي إلى دولة مُحبّة للسّلام، كما أن هناك دعم من القيادة الإماراتية لمؤسسة «الإنتربول»، تبلغ قيمتها 50 مليون يورو، مُوزعة على خمس سنوات، مُقابل إنشاء برامج تحمي سبعة ملايين إنسان في العالم. لهذا السبب جرى انتخابي أول سفير لـ«الإنتربول».
أنشطة اجتماعية

الأنشطة الخيرية والاجتماعية والإنسانية كثيرة في سفارة الإمارات في لبنان. كيف تتم عملية توزيع المساعدات؟
المغفور له الشيخ زايد (طيَّب الله ثراه)، زار لبنان مراراً، وقدّم مُساعدات كثيرة. كما أن سفارة الإمارات في لبنان أُنشئت عام 1972، وكانت السفارة الثانية لنا بعد سفارتنا في مصر، كما أن مساعداتنا لم تتوقف يوماً، إلّا أنه منذ ثلاث سنوات أنشئت ملحقيّة للشؤون الإنسانية والتنموية، مُهمّتها التأكد من حُسن توزيع المساعدات.. فمساعداتنا غير مُسيَّسة، حيث إننا قمنا بافتتاح المشاريع في مناطق البقاع والشمال والجنوب، ونختار منها ما يخدم البشر مباشرة وأهالي الضِّيَع والقرى، بغض النظر عن الطائفة والانتماء، وقد رمّمنا كنيسة، ووضعنا حجر الزاوية لبناء مسجد في يوم واحد.

هل كوّنت صداقات عميقة في لبنان؟
طبعاً. والسفير الناجح لا يقفل مكتبه في وجه أحد ولا على نفسه، ولا يبدأ بالتأسيس من فوق، من الرؤساء، بل يبدأ من الفقراء والمواطنين العاديّين. وأعرف أن الناس ينظرون إلى الإمارات على أنها دولة خير، لذا وَجَب علينا أن نعكس هذه الرؤية بين الناس. في المقابل، بنيت صداقات تاريخية مع كل السياسيين، وأعرف فخامة رئيس الجمهورية اللبناني منذ 13 عاماً، ورئيس مجلس النواب منذ 18 عاماً، ورئيس الحكومة منذ 15 عاماً. وتربطني علاقات وطيدة مع مختلف الشخصيات، أمثال: رئيس الوزراء الأسبق نجيب ميقاتي، والنائب وليد جنبلاط، وسمير جعجع، وسليمان فرنجية وفضل الله.

• هناك من يرون أن القدرة على التنسيق مع كل هؤلاء تحتاج إلى «سوبرمان»؟
حكومتي تثق بي، وتعرف أن كل عمل أقوم به يَصبّ في مصلحة الإمارات ولبنان والعالم العربي، وأعتبر لبنان بلدي الثاني. وأذكر هنا مَقولة سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي، التي قالها عام 2002، وكان يومها وزيراً للإعلام: «أنا في بلدي الأول لبنان». لذا لبنان يعني لنا الكثير، وأنا أسعى دائماً إلى تعزيز التوافُق وإرساء الكلمة الطيّبة، لذا يهمّنا في الإمارات استقرار لبنان أولاً وأخيراً.

فَكّ الحظر

ثمّة قرار إماراتي يطلب من مواطني الدولة عدم المجيء إلى لبنان. تُرى هل سيطول؟
القرار ليس عشوائيّاً ولا نكايةً في لبنان. ثمّة استراتيجية تعتمدها وزارة الخارجية، تتمثل في وجوب تقديم أفضل الخدمات لرعايا دولة الإمارات العربية المتحدة في الخارج. وهذا يتطلب من الجهات كافة تقييم الدول الخارجية ونسبة الخطر فيها، والتقييم يتجدّد كل شهر. وعلى هذا الأساس صدر القرار، وطالبنا لبنان بمُعالجة الأمور، وإيجاد الحلول التي تسمح بتغيير التقييم العام وعودة الإماراتيين إلى لبنان.

حدّثنا عن أسرتك؟
لديّ خمسة أولاد، ابنتان وثلاثة صبيان، وزوجتي تعمل «وكيلة مدرسة رياض أطفال» في مدينة العين، وابني البكر يدرس في الخارج، وأسماء أولادي: سعيد وفاطمة وموزة وراشد ومحمد.

أخيراً، حدّثتنا عن المرأة الإماراتية.. فماذا عن المرأة اللبنانية؟
لا يوجد أكثر شطارةً وذكاءً من المرأة اللبنانية، لكنها لم تأخذ دورها الحقيقي.. فَليْتها تأخذ حقّها الذي تستحقّهُ.

أحب المقبّلات اللبنانية
عن علاقة السفير حمد الشامسي مع الأكل اللبناني، يقول: لستُ متطلّباً كثيراً في الطعام، لكني لا أنكر أنني أحب «المطبَخ اللبناني» جداً، وأحب المقبّلات اللبنانية التي يزيد عدد أطباقها عن 45 نوعاً، وأحبّ «اللّوبياء بالزيت» كثيراً.