على كل امرأة كاتبة أن تحفظ اسم ناديا أنجومان، عساها تتذكّر كلّما كتبت قصيدة أو خاطرة وجدانية، كم هي محظوظة، وكم يمكن للكلمات أن تكون مكلفة بمقياس الجهل المقدّس في بلاد أخرى.
هل كانت الشاعرة الأفغانية ناديا أنجومان، وهي تصدر ديواناً بسيطاً عنوانه «الزهرة القرمزية»، تدري أنها ستسقي تلك الزهرة بدمها. في ربيعها الخامس والعشرين انتهت حياتها على يد زوجها الأستاذ الجامعي في الأدب، الذي شجّ رأسها بضربات قاتلة ليخرج منه خيالاتها الشعرية أو على الأصح «شيطان الشعر». سنة 2005 انطفأت شعلة أشهر شاعرة أفغانية إلى الأبد، في تلك البلاد التي تحكمها «ثقافة» طالبان وتحرق فيها مدارس البنات.
ثمّ.. ونحن على أبواب عام دراسي جديد، على كل تلميذة وهي تقصد مدرستها أن تتذكّر اسم الطفلة الباكستانية ملالا يوسف، لتعي نعمة أن يكون من حقها متابعة تعليمها من دون خوف على حياتها، ومن دون التستر على فعلتها وكأن نيلها قسطاً من العلم يهيئها للانحلال الأخلاقي.
كلّ هذا كانت تدري به ملالا يوسف، الطفلة الباكستانيّة التي تجرّأت على الوقوف في وجه قتلة فشلت جيوش العالم في محاربتهم، وتلقت رصاصة في الرأس، لأنها أصرت على الدفاع عن حقها في الذهاب إلى المدرسة.
وحده والدها كان يدري بالاسم الحقيقي لـ(غول ماكاي)، الذي كانت توقع به مقالاتها في الـbbc، مشهرة بجرائم طالبان التي أحرقت مدارس الفتيات الواحدة تلو الأخرى، ثمّ راحت تهدّدهن بحياتهن إن هن عدن للدراسة.
ملالا يوسف التي شارفت على الموت، وعادت منه بأعجوبة، ما كانت لتجرؤ على كشف هويّتها لو لم يكن وراءها والدٌ شجاع، بارك نضالها، وأوصلها إلى نيل جائزة السلام العالمي. ذلك أنّ الطفلة التي بدأت معركتها النسائيّة ضدّ الإرهاب والجهل والتخلف في سنّ لم تتشكل فيها بعد أنوثتها، أعطت الرجال من دون قصد درساً في الشجاعة، وجعلتنا نعيد النظر في مقولة شيخة الحركات النسويّة سيمون دوبوفوار «ليست المرأة امرأة بالولادة بل تغدو امرأة فيما بعد». فثمّة من تولد أنثى، لكن الظلم يجعل منها باكراً «أخت الرجال»! وتلك غالباً ما تكون شخصيتها «الرجالية» قد تشكلت على يد أول رجل في حياتها.
كل النساء الناجحات اللواتي صادفتهن، كان لهن السر نفسه، أب شجاع وحده من يملك إمكانية حماية شعلة الطموح حال رؤية بريقها يلمع في عيني ابنته، ووحده يحتضنها بين كفيه، كي لا تطفئها الرياح المضادة.
أجمل ما سمعته على لسان أب، كان التصريح الأخير لوالد ملالا يوسف الذي قال: «يسألني الناس عمّا فعلته لابنتي لتصبح ناجحة. اسألوني عمّا لم أفعله: أنا لم أقص جناحيها!».
كم هي محظوظة المرأة التي تولد في بيت لا مقص فيه، فتكبر من دون خوف على جناحيها، بل إن الثقة التي تتربى عليها تنبت لها ريشاً حيثما توقّعت أن يكون لها جناحان. أمّا الأكثر حظاً فهي التي تهديها الحياة زوجاً يواصل دور الأب في حمايتها وتشجيعها، وعدم معاقبتها على أحلامها أو التجسس على كتاباتها.