لو سئلنا: ما الفاكهة المفضلة عند الأطفال (وحتى معظم الكبار)، لتبادر إلى أذهاننا: الموز. ولو سئلنا: لماذا يحب الصغار (وحتى معظم الكبار) الموز أكثر من غيره، لفكرنا حالاً: لأنه لا يضم بذوراً ولا نوى، بالتالي فهو سهل الأكل، بعبارة أخرى «ناعم سلس».
لكن، لماذا لا يضم الموز أي بذور أو نوى، كأغلبية الفواكه؟
ينبغي أولاً معرفة أن الموز ينمو على شجيرات، وليس على أشجار. كما ينبغي معرفة أن شجيرات الموز لا تنتج كلها موزاً من دون بذور. فالشجيرات الأصلية تعطي موزاً وافر البذور، وهذه صلدة، أكثر صلادة من بذور التفاح أو الكمثرى أو البطيخ، مثلاً.
أما الموز الذي عهدنا استهلاكه منذ الطفولة، فلا يأتي من تلك الشجيرات الأصلية، التي كانت تنمو في الطبيعة من دون تدخل الإنسان.
كلا، الموز المبيع في الأسواق يُقطف من شجيرات «مدجنة»، بمعنى أنها لم تعد نباتات «متوحشة» تنمو وحدها بشكل طبيعي.
وهنا، لا مندوحة من التعريج على تاريخ الموز. إذ يؤكد معظم باحثي النبات أن أول زراعة بشرية للموز، مع بدء اللجوء إلى «تدجينه»، بزغت في جنوب شرق آسيا قبل نحو ثمانية آلاف عام. كما أظهرت دراسات أخرى أن زراعة الموز مورست أيضاً في الكاميرون، في قلب أفريقيا، قبل زهاء 2500 عام. وهذا لا ينفي ذاك، إذ لا يُستبعد أن تكون مجاميع بشرية متباعدة، مكانياً وزمانياً، قد اكتشفت جدوى زراعة الموز غذائياً وتجارياً.
هكذا، عبر مئات الأجيال، عكف المزارعون على تحسين نوعية الموز، حاله حال الفواكه والخضار والغلال الأخرى. إذ عرف الإنسان التطعيم ومضاربة الأنواع النباتية والحيوانية منذ القدم، وذلك بآلاف السنين قبل ظهور علوم الوراثة والجينات الحديثة. هكذا، توصل إلى شجيرات موز «عاقرة»، تنتج ثمارها من دون إتمام عملية التلقيح، بالتالي لم يعد للبذور أي دور، مما أدى إلى تلاشيها. وحين نشق موزة بالطول، نلاحظ أحياناً نقاطاً سوداء اللون. تلك النقاط ليست إلا «بويضات نباتية» غير ملقحة.
فماذا عن شجيرات الموز الأصلية الطبيعية غير «المحسنة»؟ من الطريف معرفة أن الوطاويط، خفافيش الليل، على الأغلب، هي التي تُتمّ عملية التلقيح في تلك الشجيرات، وليس النحل أو الحشرات الأخرى. فهل سيأتي يوم يتوصل فيه المزارعون المحسِّنون والمدجِّنون إلى الحصول على موز لا تسبب قشرته انزلاق من يخطو فوقها سهواً؟