أمسك بهاتف أمه كأنه الأعز على قلبه وسرعان ما انفجر بالبكاء لمجرد أن حاولت أن تأخذ الهاتف من يده رغم أن عمره لا يتجاوز السنتين أو أقل! مشهد يتكرر يومياً أمامنا وننظر إليه غالباً من زاوية أن التقنية تُسيطر على عقول الصغار وتعزلهم عن محيطهم، لكن في هذه السطور وبالتزامن مع اليوم العالمي لمحو الأمية - الذي احتفل به العالم في الثامن من سبتمبر - اخترت أن أنظر إلى الموقف من زاوية مختلفة، هي أن الحل لمواجهة الأميّة بمفهومها التقليدي والعصري بين أيدينا ولكننا نُطيل البحث بعيداً، وفي الوقت ذاته فكّرت هل العالم يحتاج ليوم واحد للتذكير بخطورة الأميّة أم يجب أن تكون قضية كل يوم؟
ليس هناك نقص في الإحصائيات الدولية المتعلقة بالأمية عالمياً أو بالخطط الخاصة بمواجهتها عالمياً أو على مستوى الدول؛ لذا سأتركها جانباً، ورغم أن المنظمات الدولية مثل منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة اليونيسف، تقول إن المعدلات العالمية للتعليم بتحسّن إلّا أن النسب الحالية لا تزال مرعبة، وهناك في نظري مُشكلة أكبر في تفاقم هي الأمية التقنية، التي لا تُفرق بين طفل وبالغ وهذه خارج رادار الإحصائيات وهي التي ستحدد مدى قدرة الإنسان على العيش من الآن فصاعداً. وهنا أعود لبكاء الطفل وكيف أنّه يحمل في ثناياه حلاً لمشكلة الأمية على مستوى الأطفال جذرياً، ولكن كيف؟ الجواب أمامنا في عبارات الاندهاش التي نرددها كثيراً عن سلوك الأطفال مثل: «ما شاء الله هالياهل يعرف كل شي في التليفون أكثر من أمه وأبوه...» فغالبية الأطفال على اختلاف جنسياتهم ولغاتهم وحتى قبل أن يقولوا كلماتهم الأولى يتعلقون بالأجهزة ويكتشفون ذاتياً طريقهم فيها. وأنا متأكدة أن كثيرين سيسارعون للتحفّظ على الفكرة ليقولوا إن الأمية غالباً مرتبطة ببؤر الفقر وضعف الإمكانيات المادية التي تحول دون إمكانية فتح المدارس على المستوى الحكومي، وعدم قدرة الأهل على تغطية نفقات الدراسة فكيف سيمتلكون هواتف أو أجهزة ذكية؟
استمرار الأمية هو نتيجة عدم قيامنا بتحديث المتغيرات بمعادلة التعليم وإكساب المهارات، لذلك نواصل الحصول على النتيجة غير المرجوّة، وهذه من أبسط قواعد علم الرياضيات. فالمتغيرات الخاطئة تعطي نتيجة خاطئة. فالمعادلة لم تعد الأمية التقليدية من عدم القراءة والكتابة فقط، بل غياب المهارات التقنية الضرورية بعالمنا اليوم، ولذا فإن أطراف الحل في المعادلة يجب أن يتم تحديثها، والطرف الأهم هو القطاع الخاص وبالذات عمالقة التقنية، ورغم وجود برامج لبعضهم في هذا الاتجاه إلا أن الحكومات لا بُدّ أن تعمل معهم ليقوموا بدورهم المجتمعي كما يجب.
في الماضي كان التعليم يواجه عوائق الموارد البشرية والمكان والزمان. أما في العصر الرقمي فلم تعد هناك ندرة بالمحتوى بل انفجار فيه وما يلزم هو إنتاج المزيد من المحتوى النوعي الموجّه لمحاربة الأمية، وكما لم يعد الطفل أو البالغ يحتاج إلى أن يكون بالضرورة في غرفة صفية ليتعلم بل يمكن لمنصات مثل يوتيوب أن تقوم بالدور من دون أن نقلل من دور المدرسة، فإذا كان الطفل قبل أن يتكلّم قادراً على أن يُبحر في الأجهزة الذكية فليكن تركيزنا أن نجعل من هذه الشاشات نوافذ أمل لعالم من دون أمية. أعلم أن المسألة معقّدة ومتعددة الأوجه، لكن مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة، فكيف إذا كانت هذه الخطوة بين أيدينا؟