الاحتفاء بمرور ربع قرن على رحيل الموسيقار بليغ حمدي ليس فقط تنويهاً بعبقريته الموسيقية الفذة، وإرثه الفني الكبير، فلا تزال بلاغة ألحانه على حناجر أجيال متلاحقة من الطرب العربي، منذ غيابه في سبتمبر 1993.
ما زلنا نسمع الألحان الساحرة في «ألف ليلة وليلة» و«سيرة الحب»، وقد شدت بها الأيقونة أم كلثوم كأول صوت، لينتشر الصدى في فضاء الغناء العربي. ومن منا لا يتذكره اليوم وهو يستمع إلى «زي الهوى» و«حاول تفتكرني» و«موعود» تشدو بها الأجيال الجديدة من المطربين والمطربات، لتحاكي زمناً، لا يزال مستمراً.
إنها بلاغة الموسيقى، وطاقتها السمعية المدهشة. وقد ترك بليغ حمدي موسوعة ضخمة من الأعمال الخالدة، التي قاومت الموجات المتتالية من الألحان التجارية، وحتى بعد سيطرة الصورة على الإيقاع والصوت في الأغنية السريعة، ظل مشروع بليغ مرجعاً لنجوم الموسيقى والغناء.
بليغ يشبه مدرسة مفتوحة للآن، لتدريب الأصوات وصقل المواهب، تمنح منتسبيها الاعتراف والتكريس، ولنا فقط أن نعيد الإصغاء فقط إلى رائعته «الحب كله» بصوت كوكب الشرق في 45 دقيقة من الطرب المحفور في الذاكرة، وكيف حوّل كلمات أحمد شفيق كامل إلى سحر سمعي خالص في سنة 1971، ونتابع هذا الأثر العميق في تجارب غنائية اليوم.
تلك كانت أيام بليغ حمدي ومحمد الموجي ومحمد عبد الوهاب، وقبلهم رياض السنباطي، ومحمد القصبجي، وزكريا أحمد، وهؤلاء لا يموت زمانهم أبداً، فالأجيال الشابة اليوم تعيد الاستماع إلى فنهم، وهم منتشرون الآن على وسائل التواصل الاجتماعي، بما يشبه حنيناً لـ«ماضٍ تولّى»، أو ربما لأن نماذج الأغنية المعاصرة لم تحفر عميقاً في الذائقة العربية، كما ينبغي، مع استثناءات محدودة.

ضوء
رحل «ابن النيل» بليغ حمدي، وكُتبت الحياة للموسيقى الفاتنة التي نذر حياته كلها من أجل أن تعيش طويلاً، وتحرس تاريخاً لا ينسى من الجمال.