نجح المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت في إجراء أوّل عملية غير تقليدية في المنطقة العربية استبدل فيها صمام قلب تاجي، بلا جراحة، عبر الجلد. هو إنجاز صحيّ آخر. أبشروا خيراً.

تتعدد أسماء صمامات القلب بين تاجي وأبهر وأورطي ورئوي وميترالي، وتتعدد المشاكل التي قد تتعرض لها الصمامات التي تسهم عادة في الحفاظ على جريان الدم في اتجاه واحد ومنع تسربه في اتجاهٍ معاكس. هي، بلغةٍ أبسط، كما سدد القناني تُفتح في حركة ميكانيكية حين يجب وتُغلق حين يجب. لكن قد يحدث أن تتعطل هذه الحركة فتسوء حالة القلب ويُصبح المريض في حاجة إلى استبدال الصمام بصمامٍ آخر. وهذا المريض يكون أحياناً مسناً، في حالة متقدمة، غير قادر على الخضوع لعملية قلب مفتوح، لذا كان لا بدّ من حلول بديلة تحققت في حدث طبي غير تقليدي نفذه مدير البرنامج الهيكلي في قسم جراحة القلب في المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت الدكتور فادي صوايا، نجح فيه باستبدال صمام القلب التاجي عبر الجلد من خلال إدخال صمام داخل صمام.

عمل استثنائي

أجريت العملية غير الجراحية الأولى من نوعها لامرأة مسنة مصابة بتضيّق تاجي شديد، وكان محالاً خضوعها إلى جراحة استبدال الصمام التاجي التقليدية. نجحت عمليتها وتستعيد عافيتها. ماذا في تفاصيل هذه التقنية الجديدة؟
الدكتور فادي صوايا شرح ماهية هذا العمل الاستثنائي: «إدخال صمام بديل عن الصمام التاجي عبر الجلد داخل الصمام الموجود هو إجراء متقدم، يُتيح خيارات للمرضى غير القادرين على تحمل عمليات القلب المفتوح المتكررة. ومعلوم أن صمامات القلب الحيوية أو البيولوجية التي يستبدل بها صمام الأبهر تكون عرضة للتلف ويفترض أن تُستبدل ثانية وثالثة وهذا في حالات كبار السنّ محال غالباً، وبالتالي تركهم يموتون بلا أي تدخل علاجي جريمة، لذا كان لا بُدّ من البحث عن تقنيات أخرى». يضيف: بات ممكناً بالتقنية الجديدة استبدال الصمام التاجي البيولوجي التالف من خلال زرع الصمام عبر القسطرة وتثبيته داخل الصمام المعرض للتلف. وفي تفاصيل أدق، يتم إدخال قسطرة داخل الوريد، تحت تأثير التخدير، في منطقة الفخذ نحو الجانب الأيمن من القلب. وإجراء ثقب للعبور إلى الجانب الأيسر من القلب وتمرير القسطرة عبر الموضع الجراحي للصمام التاجي القديم إلى البطين الأيسر. تفاصيل كثيرة علمية وتقنية تشي أننا دخلنا عصر الجراحات غير التقليدية وجراحة المنظار لصمامات القلب.
يهمّ أن تعرفوا أن هذه العملية هي الأولى في منطقتنا العربية، أما أول عملية جراحية في العالم لزراعة صمام الأبهر في القلب عبر شرايين القدم فتمت عام 2002 على يديّ طبيب فرنسي من دون أن تترافق مع شقّ في الصدر كما هو معتاد في حالات القلب المفتوح.

 مخاطر التخدير

أكثر من يحتاج هذه التقنية هم الأشخاص الذين تجاوزوا سن الرابعة والستين. وبحسب الإحصاءات فإن نحو 20% من البشر، فوق سن الـ65 عاماً، قد يتعرضون إلى تضيّق في الصمام الأبهر أو التاجي. ونحو 20% من هؤلاء يحتاجون إلى هذه التقنية الجديدة ليتمكنوا من البقاء أحياء. ومعلوم أن قصور الصمام ينتج كما سبق وقلنا عن عدم قدرته على إتمام عملية الفتح والإقفال التي تسمح بتسرب الدم في شكل صحيح، ما يُتعب القلب ويتسبب بفشله. وكم من مرة رفع أطباء أياديهم عن حالات اعتبروها مستعصية لمسنين عانوا مشاكل في الصمام الأبهر أو التاجي معتبرين أن قدر موتهم أصبح حتمياً. التقنية الجديدة تكفل مساعدة مثل هؤلاء من دون أن يتعرضوا إلى مخاطر التخدير الطويل والعمل الجراحي وفتح القلب ونفخه.
ثمة إجراءات يفترض اعتمادها قبل أن يقرر الطبيب إخضاع المريض إلى هذه التقنية الجديدة بينها: تمييلٌ للقلب كي لا يتعرض الطبيب خلال العملية إلى مفاجآت، ويجب أن يكون بين يديّ الطبيب ملف طبي دقيق وكامل عن وضع مريضه الصحي الشامل والفترة التي قضاها وهو يعاني مشاكل في الصمامات، وأن يضع الطبيب هنا كل الاحتمالات من أجل التفكير مسبقاً بالحلول المتاحة تحت أي طارئ. ويستغرق مكوث المريض في المستشفى بعد خضوعه إلى التقنية الجديدة نحو أربعة أيام.
القلب يعمل تقنياً، لكن حين نشرح حركته العلمية ندرك أن فهمها ليس سهلاً على كثيرين لا يهمهم من القلب إلا تلك المشاعر الجميلة التي يضخها في حين هو في المفهوم الطبي: صمامات وبطين وشرايين ومضخة وعضلات. فلننشر مشاعر الحب التي تخصنا، ولنتأكد أن مسائل طبية كثيرة ما عادت مستحيلة.

ميكانيكية عمل «الأبهر» و«التاجي»

يُشبه الصمام الأبهر الباب الذي يسمح بتدفق الدم من البطين الأيسر إلى الشريان الأبهر ويمنع رجوع الدم إليه، وهو يكون خلال الدورة القلبية مغلقاً في مرحلة انبساط البطين الأيسر، مانعاً رجوع الدم من الأبهر، في حين يكون الصمام التاجي مفتوحاً، متيحاً للبطين الأيسر بالامتلاء بالدم، وحين يفعل ينقبض هذا البطين فيفتح الأبهر ويسمح بتدفق الدم إلى الشرايين، وحين يتعب الصمام ويبدأ المرض يصبح فتح الباب، أي الصمام، صعباً كما الباب الذي أصابه الصدأ، وتدريجياً يصبح هذا شبه مستحيل إلى أن يأتي يوم ويُقفل فيه كلياً.