في تجارب الفئات المضطهدة تتكشف خدعة المصطلحات، وطرق استغلالها لاستدامة الهيمنة، وقد مرت عقود على تحول الوعي الثقافي من زمن التسليم إلى زمن الوعي بالحقوق، وأهم تجربتين في هذا المجال هي تجربة النساء وتجربة السود، وفي الحالين تبين أن مقولة (المساواة) لم تضمن الحقوق بقدر ما عززت معاني الهيمنة، ولكي يكون الأسود ناجحاً فإنه وجد نفسه ملزماً بتمثل الثقافة البيضاء بكل شروطها، ولزمه أن يتصرف كرجل أبيض في تصوراته السياسية والاقتصادية والثقافية، وكذا حدث للمرأة التي وجدت نفسها تتقمص مصطلحات الرجل ونظم تفكيره، ولذا تعالت الأصوات في مسعى لتأنيث الثقافة كمقابل لذكوريتها العتيدة، وجاءت مقولات من مثل (النظرية أنثى)، وهي مقولة ترددت عند كثير من الباحثات، وتصاعد الوعي بأن تقدم المرأة نفسها بصفتها المختلفة والمتميزة عن شروط الثقافة الذكورية، من أجل تحقيق موقع خاص بها وليس محاكات للأنماط المهيمنة، في مقابل مقولات تذويبية مثل مقولة (تصرفي كامرأة وفكري كرجل)، وهي مقولة تحتال لتعزيز هيمنة الذكورية واحتواء العناصر الخارجة لتردها لبيت الطاعة، ومثلها أمثلة على معاملة رجال البوليس السود في بريطانيا وأميركا، حيث تصاعد لديهم الحس بأنهم يطبقون القوانين الذهنية للرجل الأبيض في تصوره أن الأسود هو مصدر شك، وأنه أقرب للإجرام، وهذا تصور يحكم المشهد في الشارع، حيث تتجه العيون دوماً بالشكوك تجاه أي شخص ببشرة سوداء، وانتقل هذا الحس لعيون رجال البوليس السود حتى صاروا يتعاملون مع بني بشرتهم بسوء الظن والحكم، وكأن الثقافة المتحيزة احتوتهم واحتوت عيونهم وتفكيرهم لتكون عيوناً بيضاء وتفكيراً أبيض ومنحازاً، وهنا يأتي السؤال الخطر في أهمية رفع معاني الاختلاف لتكون هي الحق المميز في مقابل تجنب الحيلة النسقية التي تجعل المساواة مجرد لعبة استحواذ ثقافي وذهني.