«من الغباء الاعتقاد بأن المرأة تُزهر في سن معينة، المرأة تُزهر مع رجل معين». قول لأنجلينا جولي أثار تساؤلاتي.
ماذا لو عثرت المرأة على هذا الرجل، أثناء تساقط أوراق عمرها، ورفضته خشية أن تزهر عكس منطق المواسم، وعُرف المجتمع الذي يرفض لامرأة حق الحب الذي يأتي به القطار الأخير.
تحضرني قصة فدوى طوقان، التي كانت في السبعين حين دهمها حب رجل يصغرها. وبدل أن تحتفي به كشاعرة، أصابها ذعر العمر كامرأة، فقمعت أحاسيسها وسارعت إلى التبرؤ منه. لم يسرقها الحب إلا قليلاً على استحياء، بل هي من سرقت منه آخر قصائدها وآخر موسيقى عزفها قلبها، جمعتها في ديوان بعنوان «اللحن الأخير».
«يا حياء العمر، يا هذا الخجول، إن هذا قدر العمر، وهذا آخر الإيقاع في اللحن الأخير، أنه اللحن الأخير».
فدوى قالت بواقعية، إنها تخاف أن تلوك سيرتها ألسنة النساء، وتخاف على اسمها الرمز من أن تدنسه الشائعات، لذا خاضت أشرس المعارك ضد قلبها. فبمنطقها «وحده الرجل يحق له الوقوع في الحب حتى وهو في سن المئة».
سيرة الكُتاب من الرجال حافلة بقصص الحب التي تأتي على كبر، مؤكدة المقولة الشهيرة «الحب كالحصبة أصعب كثيراً إذا جاءت الإصابة به متأخرة». إحداها قصة حب غوته أشهر كُتاب ألمانيا، الذي ابتلاه الله وهو في سن الـ73 بحب طالبة في المدرسة الثانوية ذات الـ17 ربيعاً، وذهب في اندفاعه العاطفي حد مفاتحة أهلها في أمر خطبتها، لكن طلبه قوبل بالرفض المهذب. وكان هذا الحب هو قمة المأساة في حياته، وهو ما ألهمه أنشودته الغنائية (مرثية ماريانباد) وكانت تلك الرائعة هي الوداع الأخير للحب والعاطفة التي أوحت إليه بشعره وأعماله العظيمة.
إن كان غوته قد حاول عبثاً إغراء الصبية بإهدائها أعماله الأدبية، التي لم تكن في ذلك السن لتعنيها. فقد كانت الكاتبة الفرنسية مارغريت دوراس، أكثر الكتاب حظاً في قسمة الحب، لقد جاءها النصيب وهي في سن السادسة والستين حين التقت كاتباً مغموراً في الخامسة والعشرين من عمره، وقع في حب كتاباتها ومن ثم في حبها، وعاشا معاً قصة حب تحدت الزمن والمفاهيم وصمدت ستة عشر عاماً حتى يوم رحيلها عام 1996. برغم كونها صدمت الكثيرين، نظراً للأعوام التسعة والثلاثين الفاصلة بين الشاب يان والعجوز مارغريت، القبيحة شكلاً ومزاجاً.
بحكم إقامتي في باريس، تابعت أخبار تلك العلاقة التي لم أجد لها منطقاً، لأنني أرفض فكرة تعلق امرأة بشاب يصغرها، فأنا أرى في الحبيب هيبة الأب وحمايته، ثمّ لأن الموهبة الكبيرة لتلك الكاتبة التي كان يباهي ميتران بصداقتها، لا تكفي لتعمي شاباً حد تخليه عن العالم، وتقبّله البقاء أسيراً بالمفهوم الحقيقي للكلمة، في بيت عجوز شمطاء، تستشيط غضباً كلّما هاتف والدته، فتقوم بإلقاء حاجاته من النافذة، وتطلب البوليس مدعية أنه تسلل إلى بيتها ولا تعرف من يكون!
عاشت مارغريت دوراس معشوقة مدللة حتى اللحظة التي لفظت فيها أنفاسها الأخيرة سنة 1996 بباريس. ظلّ حبيبها الذي بلغ الأربعين من عمره، يساعدها على رحيل رحيم ممسكاً بيدها برفق. ككل أسير تفاجئه الحرية، أغلق الشاب بعد موتها الأبواب على نفسه، واعتزل الناس لفترة طويلة. ثمّ خرج إلى العالم بأجمل رواية تحكي قصة حبه لأكبر كاتبة فرنسية.
الرواية التي تسرد قصة حبهما لاقت ضجة كبيرة، وحصلت سنة 2000 على الجائزة الأدبية لـ«عيد العشاق». لقد سرقت دوراس من الكاتب المغمور خمس عشرة سنة من عمره، وتركت له الشهرة هدية متأخرة.
ماذا كانت ستعلّق فدوى طوقان على هذه القصة، وقد عاشت حبها «العذري» بحياء وخفر، معتقدة أن ما يجوز للرجال عن كبر، لا يُسمح به للنساء. الحقيقة هي أن ما يُسمح به في الغرب للمرأة، لا يمكن المجتمع العربي تقبّله!